السبت، 28 مارس 2015

ظهير الدين بابر.. وقيام الدولة المغولية في الهند


ظهير الدين بابر.. وقيام الدولة المغولية في الهند
(في ذكرى قيام الدولة المغولية بالهند: 7 من رجب 932هـ)

أحمد تمام
قامت في النصف الأول من القرن العاشر الهجري دولة فتية في شمال شبه القارة الهندية، وأصبحت ثالث ثلاث دول- بعد الدولة العثمانية والدولة الصفوية- يشهد هذا القرن ميلادها. وقد نشأت هذه الدولة الفتية على يد "ظهير الدين محمد بابر"، وشاءت لها الأقدار أن تحيا ثلاثة قرون حتى اغتصب البريطانيون الهند كلها من أهلها بالدس والخديعة، وقد نعم الناس تحت حكم هذه الدولة بالعدل والتسامح والسلام والأمن.
وتعود جذور ظهير الدين بابر إلى "تيمورلنك" الذي أقام دولة عظيمة امتدت من دلهي حتى دمشق، ومن بحيرة آرال إلى الخليج العربي، ولم تلبث هذه الدولة أن تفككت بعد وفاته بين أولاده، حتى أفلح حفيده السلطان "أبو سعيد ميزرا" في أن ينشئ له دولة امتدت من السند إلى العراق، وخلفه فيها أبناؤه العشرة، واختص عمر شيخ ميرزا- والد ظهير الدين بابر- بإقليم فرغانة بأقصى الشمال الشرقي من بلاد ما وراء النهر.
المولد والنشأة
ولد ظهير الدين سنة (888هـ = 1418م) في إمارة فرغانة التي كان يحكمها أبوه عمر شيخ ميرزا، وكان حاكمًا طموحًا؛ دخل في صراع مع جيرانه من المغول- وكانوا أصهاره- ومع إخوته من أجل توسيع سلطانه ومد نفوذه، لكن يد الأجل بادرته قبل أن يحقق أطماعه؛ حيث سقط من فوق حصن له قتيلاً، وخلفه ابنه ظهير الدين على ملكه، وكان صبيًا صغيرًا في الثانية عشرة من عمره.
تولى ظهير الدين حكم فرغانة سنة (899هـ = 1429م)، وورث عن أبيه خلافاته وصراعاته مع جيرانه، ولم يكن لمثل هذا الصبي أن يتحمل تبعات إمارة يتربص بها جيرانها، لكن من حوله أداروا له دفة الأمور، وساعدوه في حكم البلاد، ولم تكد تمضي سنوات قلائل حتى انقض على "سمرقند" فاستخلصها لنفسه من أيدي أبناء عمومته، واتخذها عاصمة لدولته، كما كانت من قبل حاضرة لجده تيمورلنك.
بابر يفقد سلطانه
جلس بابر على عرش تيمورلنك ثلاثة أشهر وعشرًا، ثم انقض عليه جيرانه من الأمراء الأوزبك والشيبانيين، ففقد سمرقند وجميع أملاكه ببلاد ما وراء النهر، وأصبح شريدًا طريدًا يضرب في الأرض ويبحث عن مأوى، لكنه وإن خسر ملكه وتخلى عنه رجاله، فإنه لم يتطرق اليأس إلى قلبه، ولم يضع الأمل، فظل عامًا وبعض عام في الصحاري والجبال حتى واتته الفرصة فانتهزها بعد أن التقى بجموع من عشائر المغول والأتراك الفارة من وجه الأوزبك عند الجنوب الشرقي ببلاد ما وراء النهر، فقادها واتجه بها إلى أرض "كابل" و"غزنة"، وكان أحد أعمامه قد تُوفي حديثًا عنها، فأقام هناك، وتولى عرشها، وظل نحو عشرين عامًا قبل أن يقدم على فتح الهند، وإقامة دولة المغول.
التحالف مع الصفويين
انتعشت الآمال في نفس ظهير الدين بقيام إسماعيل الصفوي شاه الفرس بالقضاء على شوكة الأوزبك وزعيمهم شيباني خان، وانتزاع قسم كبير من أملاكه وأراضيه، وتطلع إلى استرداد بلاد ما وراء النهر، فأمده حليفه بفرق من جنده ليستعين بهم في تحقيق آماله وطموحاته، وقد رحّب أهالي بخارى وسمرقند بأميرهم القديم واستقبلوه استقبالاً حسنًا، ثم ما لبث أن تحول الترحيب إلى داء ومقاومة، لإصرار جنود الشاه على إرغام أهالي البلاد على اعتناق المذهب الشيعي، وارتكبوا في سبيل تحقيق ذلك مذابح رهيبة، مما جعل الناس يأتلفون مع الأوزبك لطرد هؤلاء الغزاة ومعهم بابر نفسه، الذي حاول أن يمنع قادة الفرس من ارتكاب جرائمهم المخزية، لكن صوت نصحه ضاع أدراج الرياح.
ولو أن العالم الإسلامي كانت به من القوة ما تمنع اعتداء الغاشم، ورد الباغي عن غيه، لأمكنه ذلك من نصرة المسلمين في الأندلس والوقوف أمام إسبانيا التي انفردت بالمسلمين تفعل بهم ما تشاء، لكن المسلمين كانوا في شغل بالحروب في غير ميدان، والصراع على آمال حقيرة.
ولو ترابطت الدول الإسلامية الكبرى، العثمانية والصفوية والمغولية، لما ظهرت روسيا، أو تأخر ظهورها على مسرح التاريخ، وهي التي كانت في مهدها تدفع الجزية للمسلمين، لكنها استغلت الخلافات المذهبية والصراع بين الدول الإسلامية لتبني مجدها، وتصبح مصدر خطر دائم عانت منه الدولة العثمانية، وتستولي على أراض إسلامية، وتشرد من سكانها ملايين عديدة.
التوجه إلى الهند
ولّى ظهير الدين بابر وجهه شطر الهند بعد أن استنجد به فريق من أمرائها ليخلصهم من استبداد "إبراهيم اللودهي" حاكم "دلهي"، فانتهز الفرصة لتحقيق آماله العريضة في إقامة دولة كبيرة له في الهند، بعد أن ثبت الأوزبك أقدامهم ببلاد ما وراء النهر من جديد، واستولى الصفويون على خراسان كلها، ولم تعد له فرصة سوى أن يقيم دولة في الهند.
خرج بابر إلى الهند في غزوات متتالية بدأت في سنة (925هـ= 1519م) حتى تم له السيطرة على السند والبنجاب، ثم كانت معركته الفاصلة "باي بت" في (7 من رجب 932هـ= 20 من إبريل سنة 1526م) مع إبراهيم اللودهي على بعد عشرة أميال شمالي "دلهي" وقد حقق نصرًا هائلا على اللودهيين على الرغم من قلة عدد جنوده الذين لم يتجاوز عددهم اثني عشر ألفًا في مقابل مائة ألف، بعد أن باغت خصمه وهو في طريقه للقتال، وأخذت بنادقه ومدفعيته تصلي قلب الجيش اللودهي نارًا حامية، ولم يكن للند معرفة بها من قبل، فتمزق جيش اللودهيين، وقتل السلطان إبراهيم في ساحة القتال، ودخل بابر مدينة دلهي واستقر على عرش اللودهيين بقلعة آكرا.
وبعد النصر بدأ الفاتح العظيم في توزيع ما وقعت عليه يده من كنوز الهند على رجاله، وبلغ من كثرتها أنه بعث بنصيب منها إلى ولاته وجنوده فيما وراء حدود الهند، وأغدق على العلماء والفقراء في كافة المزارات الإسلامية والأراضي المقدسة، وخص كل ساكني كابل بنصيب من غنائمه. يذكر أن مما غنمه الفاتح جوهرة كوهينور أكبر ماسة عرفتها الدنيا، وهي التي نهبها البريطانيون في القرن التاسع عشر، وزينوا بها تاج ملكتهم فكتوريا.
التوغل في شبه القارة الهندية
وفي الوقت الذي انشغل فيه ظهير الدين بابر بتنظيم أموره بدأ الأمراء الأفغان يضعون أيديهم في أيدي الأمراء الهندوس بالراجيوتانا، يكونون جبهة واحدة لطرد بابر وقواته، واقتضى الأمر تحركًا سريعًا لضرب هذا التحالف قبل استفحاله، وما كاد يستعد لذلك حتى فوجئ بشيوع روح التذمر تسري بين جنوده، وبتسرب الملل إلى نفوسهم، وبدءوا يطالبون بالعودة إلى بلادهم، وشعر "بابر" أن آماله ستتبدد لو رضخ لهوى جنوده، وأن طموحه العظيم سيصبح سرابًا لو وافقهم على هواهم؛ فبذل معهم محاولات جادة لثنيهم عن عزمهم وبث فيهم روح الجهاد والآمال العظيمة حتى أفلح في جعلهم يخضعون له.
وما كاد يتم له ذلك حتى أرسل ابنه "همايون" إلى المناطق الشرقية في أربعين ألفا من الجند، فاستولوا على "قنوج"، واتجهوا إلى آكر فاستولوا عليها، وتوغلوا حتى أشرفوا على حدود البنغال، وبينما قوات همايون تحقق تلك الانتصارات، كان خطر الأمراء الهنادكة لا يزال قائمًا، فأرسل "بابر" إلى ابنه يستدعيه على عجل لمواجهة التحالف الذي قام بين الهنادكة وأمراء الأفغان تحت زعامة "راناسنكا" سيد الراجيوتانا وأكبر أمراء الهاندكة، وتجمع في هذا التحالف نحو مائة وعشرين ألفًا من الجند ومئات الأفيال.
والتقى الفريقان في معركة هائلة في "خانوه" وثبت المسلمون في الميدان، وأبلوا بلاء حسنًا، وأخلصوا نياتهم، وبالغوا في تضرعهم إلى الله طلبًا للنصر، واستعملوا البنادق والمدفعية، حتى جاء نصر الله والفتح، فانفرط عقد الهندوس وولوا الأدبار. وبهذا النصر العظيم قضى على الخطر الهندوسي الذي ظل يهدد كيان الدولة الإسلامية بالهند منذ قيامها على يد السلطان محمود الغزنوي في نهاية القرن الرابع الهجري.
ولم يكتف بابر بهذا النصر، فخرج بقواته لمطاردة ثورات الأفغان حتى حدود البنغال، وبذلك خضعت له الهندستان، وأقام إمبراطورية المغول في الهند.
شخصية بابر
يعد ظهير الدين بابر من كبار القادة والفاتحين في تاريخ الإسلام، نجح في إقامة دولة كبيرة بهمته العالية وروحه الطامحة وإصراره الدائب قبل أن يقيمها بسيفه وغزواته، تعرض لمحن كثيرة وهو لا يزال صبيًا غض الإهاب فقابلها بثبات الأبطال، وبقلب لم يعرف اليأس إليه طريقًا.
يذكر له أنه كان يقود جندًا من مختلف الأجناس، من مغول وترك وأفغان لكنه نجح في قيادتهم، وقضى بعزيمته وحكمته على بوادر أي تذمر في مهده؛ ولذا نجح فيما عجز عنه غيره في مواصلة الفتح في بلاد الهند.
وعرف هذا السلطان بسماحته وبغضه للتعصب الديني، ونهج خلفاؤه في الهند هذه السياسة فمارس الهندوس طقوسهم الدينية في حرية تامة ودون تضييق إبان حكم الدولة المغولية في الغالب، وكان سمحًا مع رجاله الذين تخلوا عنه، فعفا عنهم حين وفدوا عليه في الهند.
وعلى الرغم من قصر المدة التي مكثها في الهند فقد اجتهد في إصلاح نظم الإدارة، وبناء دولته، فشق الطرق، وحفر الترع والأنهار، وأقام عددًا من البساتين وجلب لها صنوفًا من الثمار والنباتات لم تكن الهند تعرفها من قبل.
ولم يكن بابر قائدًا عظيمًا وفاتحًا كبيرًا، بل كان أديبًا موهوبًا كتب سيرة ذاتية لنفسه باللغة التركية باسم "بابرنامة" ضمنها ترجمة لحياته وعصره، وذكر فيها ما قابله من أحداث وحروب، واتسمت تلك السيرة بالصدق مع النفس وغيره، فلم ينكر فضيلة لعدو أو يخفي رذيلة لصديق، وقد ترجمت هذه السيرة إلى الفارسية وإلى عدة لغات أوروبية.
وفاته
بعد أن انتصر بابر على الأفغان لم يمتد به الأجل فتُوفي في (5 من جمادى الأولى 937هـ= 22 من فبراير 1530م) وهو في الخمسين من عمره، ولم يكن قد مضى عليه في الهند أكثر من ست سنوات.
من مصادر الدراسة:
  •  أحمد بخش الهروي ـ المسلمون في الهند ـ ترجمة أحمد عبد القادر الشاذلي ـ الهيئة المصرية العامة للكتاب ـ القاهرة ـ 1995م.
  •  أحمد محمود الساداتي ـ تاريخ المسلمين في شبه القارة الهندوباكستانية ـ مكتبة نهضة الشرق ـ القاهرة ـ 1970م.
  •  عبد المنعم النمر ـ تاريخ الإسلام في الهند ـ المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر ـ بيروت  (1401 هـ= 1981م).
  • عبد العزيز سليمان نوار ـ الشعوب الإسلامية ـ دار النهضة العربية ـ بيروت ـ 1973م.

الجمعة، 27 مارس 2015

الخضر حسين.. وهوى الانتماء والمنافحة

الخضر حسين.. وهوى الانتماء والمنافحة
(ذكرى توليه مشيخة الأزهر: 26 من ذي الحجة 1371هـ)

أحمد تمام-كاتب وباحث مصري
فتحت مصر أبوابها في النصف الأول من القرن الرابع عشر الهجري لزعماء النهضة والإصلاح، واستقبلت قادة التحرير في العالم الإسلامي، فحلوا بها خير محل، ولقوا من الحفاوة والكرم ما جعلهم ينعمون بالاستقرار فيها، وصارت القاهرة كعبة العلماء، ومهوى الأفئدة، اتخذها بعضهم موطنًا دائمًا له، واستقر بعضهم فيها حينًا من الدهر ثم عاد إلى بلاده.
واستقبلت مصر في هذه الفترة محمد رشيد رضا صاحب مجلة المنار، ومحب الدين الخطيب صاحب المكتبة السلفية المجاهد المعروف، والعلامة محمد صبري شيخ الإسلام في الدولة العثمانية ووكيله الشيخ محمد زاهد الكوثري، والشيخ محمد الخضر حسين وغيرهم.
ولم تكتف مصر بحسن استقبال هؤلاء الأعلام النابهين، بل منحت بعضهم جنسيتها، وبوأته أعلى المناصب الدينية، مثلما فعلت مع الشيخ محمد الخضر الحسين، حيث اختارته ضمن الرعيل الأول المؤسس لـ مجمع اللغة العربية، وعينته أستاذًا في كلية أصول الدين، وكافأته بتنصيبه شيخًا للجامع الأزهر.
المولد والنشأة
ولد محمد الخضر حسين بمدينة نفطة التونسية في (26 رجب 1293هـ= 16 أغسطس 1876م)، ونشأ في أسرة كريمة تعتز بعراقة النسب وكرم الأصل، وتفخر بمن أنجبت من العلماء والأدباء، وفي هذا الجو المعبق بأريج العلم نشأ "الخضر حسين"؛ فحفظ القرآن الكريم، وتعلَّم مبادئ القراءة والكتابة، وشدا شيئًا من الأدب والعلوم الشرعية، ثم انتقل مع أسرته إلى تونس العاصمة سنة (1305هـ= 1887م) وهو في الثانية عشرة من عمره، والتحق بجامع الزيتونة، وأكبّ على التحصيل والتلقِّي، وكانت الدراسة فيه صورة مصغرة من التعليم في الجامع الأزهر في ذلك الوقت، تُقرأ فيه علوم الدين من تفسير وحديث وفقه وعقيدة وعلوم اللغة من نحو وصرف وبيان، وكان من أبرز شيوخه الذين اتصل بهم وتتلمذ لهم: عمر بن الشيخ، ومحمد النجار وكانا يدرّسان تفسير القرآن الكريم، والشيخ سالم بوحاجب وكان يدرس صحيح البخاري، وقد تأثر به الخضر الحسين وبطريقته في التدريس.
بعد التخرج
تخرج محمد الخضر الحسين في الزيتونة، غزير العلم، واسع الأفق، فصيح العبارة، محبًا للإصلاح، فأنشأ مجلة "السعادة العظمى" سنة (1321هـ= 1902م) لتنشر محاسن الإسلام، وترشد الناس إلى مبادئه وشرائعه، وتوقظ الغافلين من أبناء أمته، وتفضح أساليب الاستعمار، وقد لفت الأنظار إليه بحماسه المتقد ونظراته الصائبة، فعُهد إليه بقضاء "بنزرت"، والخطابة بجامعها الكبير سنة (1324هـ= 1905م)، لكنه لم يمكث في منصبه طويلاً، وعاد إلى التدريس بجامع الزيتونة وتولى تنظيم خزائن كتبه، ثم اختير للتدريس بالمدرسة الصادقية وكانت المدرسة الثانوية الوحيدة في تونس، وقام بنشاط واسع في إلقاء المحاضرات التي تستنهض الهمم، وتنير العقول وتثير الوجدان، وأحدثت هذه المحاضرات صدى واسعًا في تونس.
ولما قامت الحرب الطرابلسية بين الدولة العثمانية وإيطاليا، وقف الخضر حسين قلمه ولسانه إلى جانب دولة الخلافة، ودعا الناس إلى عونها ومساندتها، وحين حاولت الحكومة ضمه إلى العمل في محكمة فرنسية رفض الاشتراك فيها، وبدأ الاستعمار الفرنسي يضيّق عليه ويتهمه ببث روح العداء له؛ فاضطر الشيخ محمد الخضر الحسين إلى مغادرة البلاد سنة (1329هـ= 1910م) واتجه إلى إستانبول.
بين إستانبول ودمشق
بدأ الخضر حسين رحلته بزيارة مصر وهو في طريقه إلى دمشق، ثم سافر إلى إستانبول ولم يمكث بها طويلاً، فعاد إلى بلاده ظانًا أن الأمور قد هدأت بها، لكنه أصيب بخيبة أمل وقرَّر الهجرة مرة ثانية، واختار دمشق وطنًا له، وعُيِّن بها مدرسًا للغة العربية في المدرسة السلطانية سنة (1331هـ= 1912م)، ثم سافر إلى إستانبول، واتصل بأنور باشا وزير الحربية، فاختاره محررًا عربيًا بالوزارة، ثم بعثه إلى برلين في مهمة رسمية، فقضى بها تسعة أشهر، وعاد إلى العاصمة العثمانية، فاستقر بها فترة قصيرة لم ترقه الحياة فيها، فعاد إلى دمشق، وفي أثناء إقامته تعرَّض لنقمة الطاغية "أحمد جمال باشا" حاكم الشام، فاعتقل سنة (1334هـ= 1915م)، وبعد الإفراج عنه عاد إلى إستانبول، وما كاد يستقر بها حتى أوفده أنور باشا مرة أخرى إلى ألمانيا سنة (1335هـ= 1916م)، والتقى هناك بزعماء الحركات الإسلامية من أمثال: عبد العزيز جاويش، وعبد الحميد سعيد، وأحمد فؤاد، ثم عاد إلى إستانبول، ومنها إلى دمشق حيث عاد إلى التدريس بالمدرسة السلطانية، ودرّس لطلبته كتاب "مغنى اللبيب عن كتب الأعاريب" لابن هشام النحوي المعروف، حتى إذا تعرضت الشام للاحتلال الفرنسي، اضطر الخضر الحسين إلى مغادرة دمشق والتوجه صوب القاهرة.
الاستقرار في القاهرة
نزل محمد الخضر الحسين القاهرة سنة (1339هـ= 1920م)، واشتغل بالبحث وكتابة المقالات، ثم عمل محررًا بالقسم الأدبي بدار الكتب المصرية، واتصل بأعلام النهضة الإسلامية في مصر وتوثقت علاقته بهم، ثم تجنَّس المصرية، وتقدَّم لامتحان شهادة العالمية بالأزهر، وعقدت له لجنة الامتحان برئاسة العلامة عبد المجيد اللبان مع نخبة من علماء الأزهر الأفذاذ، وأبدى الطالب الشيخ من رسوخ القدم ما أدهش الممتحنين، وكانت اللجنة كلما تعمَّقت في الأسئلة وجدت من الطالب عمقًا في الإجابة وغزارة في العلم، وقوة في الحجة، فمنحته اللجنة شهادة العالمية، وبلغ من إعجاب رئيس اللجنة بالطالب العالم أن قال: "هذا بحٌر لا ساحل له، فكيف نقف معه في حِجاج".
معاركه الفكرية
شاءت الأقدار أن تُمتحن الحياة الفكرية بفتنة ضارية أثارها كتابا: "الإسلام وأصول الحكم" لعلي عبد الرازق و"في الشعر الجاهلي" لطه حسين، وكان الشيخ محمد الخضر حسين واحدًا ممن خاضوا هذه المعركة بالحجة القوية والاستدلال الواضح والعلم الغزير.
أما الكتاب الأول فقد ظهر في سنة (1344هـ= 1926م) وأثار ضجة كبيرة وانبرت الأقلام بين هجوم عليه ودفاع عنه، وقد صدم الكتاب الرأي العام المسلم حين زعم أن الإسلام ليس دين حكم، وأنكر وجوب قيام الخلافة الإسلامية، ونفى وجود دليل عليها من الكتاب والسنة، وكانت الصدمة الثانية أن يكون مؤلف هذا الكتاب عالمًا من علماء الأزهر.
وقد نهض الشيخ محمد الخضر حسين لتفنيد دعاوى الكتاب فأصدر كتابه: "نقض كتاب الإسلام وأصول الحكم" سنة (1344هـ= 1926م) تتبع فيه أبواب كتاب علي عبد الرازق، فكان يبدأ بتلخيص الباب، ثم يورد الفقرة التي تعبّر عن الفكرة موضوع النقد فيفنَّدها، ونقد استخدام المؤلف للمصادر، وكشف أنه يقتطع الجمل من سياقها، فتؤدي المعنى الذي يقصده هو لا المعنى الذي يريده المؤلف.
وقد كشف الخضر الحسين في هذا الكتاب عن علم غزير وإحاطة متمكنة بأصول الفقه وقواعد الحجاج وبصيرة نافذة بالتشريع الإسلامي، ومعرفة واسعة بالتاريخ الإسلامي ورجاله وحوادثه.
وأمَّا الكتاب الآخر فقد ظهر سنة (1345هـ= 1927م)، وأحدث ضجة هائلة، حيث جاهر مؤلفه الدكتور طه حسين باحتقار والشك في كل قديم دُوِّن في صحف الأدب، وزعم أن كل ما يُعد شعرًا جاهليًا إنما هو مختلق ومنحول، ولم يكتف بهذه الفرية فجاهر بالهجوم على المقدسات الدينية حيث قال: "للتوراة أن تحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل وللقرآن أن يحدثنا عن إبراهيم وإسماعيل، ولكن هذا لا يكفي لإثبات وجودهما التاريخي…". وقد انبرت أقلام غيورة لتفنيد ما جاء في كتاب الشعر الجاهلي من أمثال الرافعي، والغمراوي، ومحمد فريد وجدي، ومحمد الخضر حسين الذي ألَّف كتابا شافيا في الرد على طه حسين وكتابه بعنوان: "نقض كتاب في الشعر الجاهلي" فنَّد ما جاء فيه، وأقام الأدلة على أصالة الشعر الجاهلي وكشف عن مجافاة طه حسين للحق، واعتماده على ما كتبه المستشرق الإنجليزي مرجليوث دون أن يذكر ذلك.
في ميادين الإصلاح
اتجه الشيخ إلى تأسيس الجمعيات الإسلامية، فاشترك مع جماعة من الغيورين على الإسلام سنة (1346هـ= 1928م) في إنشاء جمعية الشبان المسلمين، ووضع لائحتها الأولى مع صديقه محب الدين الخطيب، وقامت الجمعية بنشر مبادئ الإسلام والدفاع عن قيمه الخالصة، ومحاربة الإلحاد العلمي. ولا تزال هذه الجمعية بفروعها المختلفة تؤدي بعضا من رسالتها القديمة. وأنشأ أيضا "جمعية الهداية الإسلامية" وكان نشاطها علميا أكثر منه اجتماعيا، وضمَّت عددا من شيوخ الأزهر وشبابه وطائفة من المثقفين، وكوَّن بها مكتبة كبيرة كانت مكتبته الخاصة نواة لها، وأصدر مجلة باسمها كانت تحمل الروائع من التفسير والتشريع واللغة والتاريخ.
وإلى جانب هذا النشاط الوافر تولى رياسة تحرير مجلة نور الإسلام – الأزهر الآن – التي أصدرها الأزهر في (المحرم 1349هـ= 1931م)، ودامت رئاسته لها ثلاثة أعوام، كما تولى رئاسة تحرير مجلة لواء الإسلام سنة (1366هـ= 1946م)، وتحمل إلى هذه الأعباء التدريس بكلية أصول الدين، فالتف حوله الطلاب، وأفادوا من علمه الغزير وثقافته الواسعة، وعندما أنشئ مجمع اللغة العربية بالقاهرة سنة (1350 هـ=1932م) كان من الرعيل الأول الذين اختيروا لعضويته، كما اختير عضوا بالمجمع العلمي العربي بدمشق، وأثرى مجلة مجمع اللغة العربية بالقاهرة ببحوثه القيمة عن صحة الاستشهاد بالحديث النبوي، والمجاز والنقل وأثرهما في حياة اللغة العربية، وطرق وضع المصطلحات الطبية وتوحيدها في البلاد العربية.
مشيخة الأزهر
نال الشيخ عضوية جماعة كبار العلماء برسالته القيمة "القياس في اللغة العربية" سنة (1370 هـ= 1950م)، ثم لم يلبث أن وقع عليه الاختيار شيخا للجامع الأزهر في (26 ذي الحجة 1371هـ= 16 سبتمبر 1952م)، وكان الاختيار مفاجئًا له فلم يكن يتوقعه أو ينتظره بعدما كبر في السن وضعفت صحته، لكن مشيئة الله أبت إلا أن تكرم أحد المناضلين في ميادين الإصلاح، حيث اعتلى أكبر منصب ديني في العالم الإسلامي.
وكان في ذهن الشيخ حين ولي المنصب الكبير وسائل لبعث النهضة في مؤسسة الأزهر، وبرامج للإصلاح، لكنه لم يتمكن من ذلك، ولم تساعده صحته على مغالبة العقبات، ثم لم يلبث أن قدم استقالته احتجاجًا على اندماج القضاء الشرعي في القضاء الأهلي، وكان من رأيه أن العكس هو الصحيح، فيجب اندماج القضاء الأهلي في القضاء الشرعي؛ لأن الشريعة الإسلامية ينبغي أن تكون المصدر الأساسي للتشريع، وكانت استقالته في (2 جمادى الأولى 1372هـ= 7 يناير 1954م)، ويذكر له في أثناء توليه مشيخة الأزهر قولته: "إن الأزهر أمانة قي عنقي أسلمها حين أسلمها موفورة كاملة، وإذا لم يتأت أن يحصل للأزهر مزيد من الازدهار على يدي، فلا أقل من أن لا يحصل له نقص" وكان كثيرا ما يردد: "يكفيني كوب لبن وكسرة خبز وعلى الدنيا بعدها العفاء".
مؤلفاته
كان الشيخ عالما فقيها لغويا أديبا كاتبا من الرعيل الأول، أسهم في الحركة الفكرية بنصيب وافر وترك للمكتبة العربية زادا ثريا من مؤلفاته، منها:
  • رسائل الإصلاح، وهي في ثلاثة أجزاء، أبرز فيها منهجه في الدعوة الإسلامية ووسائل النهوض بالعالم الإسلامي.
  • الخيال في الشعر العربي.
  • آداب الحرب في الإسلام.
  • تعليقات على كتاب الموافقات للشاطبي.
  • ديوان شعر "خواطر الحياة".
بالإضافة إلى بحوث ومقالات نشرت في مجلة الأزهر (نور الإسلام) ولواء الإسلام والهداية الإسلامية.
وفاته
وبعد استقالته من المشيخة تفرغ للبحث والمحاضرة حتى لبى نداء ربه في مساء الأحد (13 من رجب 1377هـ = 28 من فبراير 1958م)، ودفن بجوار صديقة أحمد تيمور باشا بوصية منه، ونعاه العلامة محمد علي النجار بقوله: "إن الشيخ اجتمع فيه من الفضائل ما لم يجتمع في غيره إلا في النّدْرَى، فقد كان عالما ضليعا بأحوال المجتمع ومراميه، لا يشذ عنه مقاصد الناس ومعاقد شئونهم، حفيظا على العروبة والدين، يردّ ما يوجه إليهما وما يصدر من الأفكار منابذًا لهما، قوي الحجة، حسن الجدال، عف اللسان والقلم …".
من مصادر الدراسة:
  • أنور الجندي: الفكر والثقافة المعاصرة في شمال إفريقيا – الدار القومية للطباعة والنشر – القاهرة – (1385هـ= 1965م).
  • علي عبد العظيم: مشيخة الأزهر منذ إنشائها حتى الآن – مطبوعات مجمع البحوث الإسلامية – القاهرة – (1399 هـ= 1979م).
  • محمد رجب البيومي: النهضة الإسلامية في سير أعلامها المعاصرين – دار القلم – دمشق - (1415 هـ= 1995م).
  • محمد مهدي علام: المجمعيون في خمسين عاما – مطبوعات مجمع اللغة العربية – القاهرة - (1406هـ= 1986م)
  • محمد علي النجار: كلمة في تأبين الشيخ محمد الخضر حسين – محاضر جلسات مجمع اللغة العربية - الجزء الحادي والعشرون.

الثلاثاء، 24 مارس 2015


دراسات تربوية
أيش ضرَّ أبا الحسنِ انصرافي ؟
أكرم عصبان الحضرمي
إنَّ هذه النصيحة الغالية ، والحكمة البالغة التي أطلقها الإمام الصَيْمَري [1]
عليه رحمة الله تأسفاً على فوات كثير من العلم والاستفادة من عَلَمٍ من أعلام
الحديث ، لتمثل لنا سِراجاً نستنير به في ظلمات الهجر غير المنضبط الذي خيَّم في
سماء صحوتنا ، والذي يمثل عقبة في طريق العلم والاستفادة .
إنَّ مَنْ تفقه في هذه العبارة ، وتأملها كل التأمل ، انتفع بها غاية الانتفاع ؛
لأنها تعالج لنا واقعاً من الانحراف في حياتنا التعليمية ومنهجاً معوجاً في التعامل مع
اجتهاد العلماء ، وأخطائهم ، وتتضح لنا خطورة هذا المسلك حين تأتي الثمار السيئة
من تفويت الخير الكثير في ترك جهود العلماء المشهود لهم بالعلم الراسخ والقدَمَ
الثابت .
من أجل هذا وغيره أضحت هذه المشكلة جديرة بالوقوف أمامها وصرف
النظر إليها ، إنها مشكلة الازورار عن العلم (دروساً وكتباً وأشرطة ... ) بسبب
بعض الاجتهادات والأخطاء ، فما هو خبر الصَيْمَري ؟
لنستمع إليه يحدثنا عن خبره .
قال الخطيب : قال لي الصَيْمَري :  ( سمعتُ من الدارقطني [2]  أجزاءاً من
سننه ، وانقطعتُ لكونه ليَّن أبا يوسف ، وليتني لم أفعل ، إيش ضرَّ أبا الحسن
انصرافي ؟  ) [3]  .
تشخيص الظاهرة :
إنه يشخِّص الظاهرةَ (الانقطاع عن دروس الدارقطني) ولقد انتشرت هذه
الظاهرة في عصرنا وفشت ، فكم من مجالسَ للعلماء تُهجَرُ ، وكم من كتب تحرق ،
وكم من أشرطة ترمى ! بل وصل الأمر ذروته وبلغ السيل الزبى حين يُهْجَرُ مَنْ لَمْ
يَهْجُرْ تلك الأمور ، وهذه لعمري قاصمةُ الظهر ، فلم يقطعوا دروسَ الدارقطني
فحسبْ ، بل قطعوا من لم ينقطع من دروسه ، وهذه من فرائِد عصرِنا وهذا مخالف
لميزان الإنصاف : قال معاذ الله أن نأخذ إلا من وجدنا متاعنا عنده إنا إذا
لظالمون [يوسف : 79] .
أسباب الظاهرة :
إن سبب الانقطاع (لكونه ليَّن أبا يوسف) [4]  صاحب أبي حنيفة وأحد أئمة
الأحناف وأركان المذهب ، فالصَيْمَري لم يتحملْ كلام الدارقطني فيه فترك مجلسه ؛
وهذا نَعدُّه تعصباً منه رحمه الله وانتصاراً لإمامه .
داء التعصب :
فالتعصب إذن مَزَلةُ أقدام ، ومَظنّة أفهام ، وآفة من آفات العلم ،  ( وهو انتحالُ
مجموعةٍ من الناسِ مذهباً أو انتخابُ آراء بحيثُ لا يبغون عنها حولاً ولا يريدون
بها بدلاً ) .
إن الدارقطني أدَّاه اجتهادُه وهو إمامُ الحديث ورجاله إلى تليين أبي يوسف ؛
فعلامَ يُترك الأخذ عن مجتهدٍ قد يكون رأيه هو الحق ، ومذهبُه هو الصواب ؟ ولكنه
التعصب الذي يَحْرِم صاحبَه التعلم ! قال حُسَيْنَكُ بنُ علي : أول ما سألني ابنُ
خزيمة فقال : كتبت عن محمد بن جعفر الطبري ؟ قلت : لا . قال : ولِمَ ؟ قلت :
لأنه كان لا يَظْهرُ وكانت الحنابلة تمنع من الدخول عليه [5] . قال : ( بئسَ ما
فعلت . ليتَكَ لم تكتبْ عن كلِّ ما كتبتَ عنهم ، وسمعتَ من أبي جعفر ) [6] .
فالواجب على طالب العلم ألا يتحيَّزَ لمذهبٍ معينٍ ، ولا لآراء خاصة ، وإنَّما
ينتخب من الأقوال ما وافق الحق ، ويجتنبُ ما خالفه .
التسرع في الحكم وعدم التثبت :
وتزداد الزاوية انفراجاً عند ترك التثبت ، والتسرع في الحكم ؛ فإن اجتهاد
الدارقطني يُنظرُ إليه ، فقد سبقه إلى ذلك نفرٌ من علماءِ الجرح والتعديل منهم شيخ
المحدثين البخاري فقبلَ هجره يُتبَيَّنُ قوله ، كما قال الحسنُ البصري رحمه الله :
( المؤمنُ وقَّاف حتى يتبين )  [7]  .
فإن أصاب فنعمَّا هو ، وإن أخطأ فالكمال عزيز ، وإنما يمدحُ العالمُ بكثرة ما
له من الفضائل ؛ فلا تدفنُ المحاسنُ لورطة ربما رجع عنها وقد يَغْفِرُ الله له
باستفراغه الوُسعَ في طلب الحق فيه ، ولمن ثبت عنده ذلك الخطأ أن يجادل بالتي
هي أحسن ، ويرشده إلى الحق مع حفظ الأخوة ، وبقاء الاستفادة ؛ فكم من علمٍ فاتَ
بسبب التسرع وعدم التثبت .
قال قيسُ بن الربيع :  ( قدم علينا قتادة الكوفة فأردنا أن نأتيه فقيل : إنه
يُبغِض علياً ، ثم قيل : إنه أبعدُ الناس من هذا ؛ فأخذْنا عن رجل عنه )  [8]  .
كم فاتهم من الخير ، وأي خسارة خسروا حين نزل سندهم فأخذوا العلم نازلاً
بعد إمكان أخذه عالياً ، وانظر إلى السند والإحالة تجدها عن مجهول ( قيل : إنه
يبغض علياً ) . وقيل : ( إنه أبعد من هذا ) ، فأين تعاليم القرآن ؟ يا أيُّها الذين
آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأٍ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم
نادمين [ الحجرات : 6] .
التعصب وسوء الظن :
وتزداد زاوية الانفراج للتعصب أكثر حين يُولِّدُ ظنوناً سيئةً ألا  ( وإن الظن
أكذب الحديث  ) [9]  ويؤدي إلى تتبع العثرات ، وترصُّد الزلات ، ويبدأ الخلاف في
فرعية صغيرة فيرقى إلى الاتهام في أصول الإسلام وقواعد الديانة . قال
الذهبي :  ( قرأت بخط الموفَّقِ قال : سمعنا درسه أي ابن عُصْرُون مع أخي أبي
عمر وانقطعنا . فسمعت أخي يقول : دخلت عليه بعدُ ، فقال : لِمَ انقطعتم عني ؟
قلت : إن ناساً يقولون : إنك أشعري . فقال :  ( والله ما أنا بأشعري  ) [10]  هذا
معنى الحكاية .
وهذه الصورة من التعصب تظهر في عصرنا في أكمل مبانيها ، وفي أوضح
معانيها ؛ فمن تكلم بنصوصٍ في الحاكمية من وجوب الحكم بما أنزل الله ، والتحذير
من القوانين الوضعية ، والأحكام الدولية ، يُهْجَرُ أولاً ويعدُّ خارجياً ثانياً ، كما أن
مَن لم يرَ إقحامَ الأمةِ في ظلماتِ الخروج غير المنضبط بالضوابط الشرعية يعد
مُرْجئاً جَهْمياً .
إن الظنَّ السيئَ ، والاتهام بالبدعة ، والتسرع في ذلك ، رُوِّع بها شيوخ [11]
وظلم بها علماء وهُجِرَ بها دعاةٌ لا يرون مسوِّغات ذلك ، كما قال الأول : (وأرى
العداوة لا أرى أسبابها) وكل ذلك بسبب أسانيد منقطعة (يقولون) ويرد ابن عصرون
هذه الفرية مؤكداً كلامه بالقسم : (والله ما أنا بأشعري) ، وكان حاله كحال
القائل [12]  :
ولكني ظلمت فكدت أبكي      من الظلم المبيَّن أو بكيت
الكذب وكيد الشيطان :
انظر كيف يُكذَبُ على العلماءِ بسندٍ مبهمٍ لا يُعرفُ قائله أجنيٌ أم إنسي ؟ ومن
يدري ؟ لعل الشيطان هو الذي نقله ! وما ذلك ببعيد ، فقد قال أبو عمر ابن عبد
البر : (روينا أن جارية لصفية أتت عمر بن الخطاب فقالت : إن صفية تحبُّ
السبت وتصل اليهود ، فبعث عمر يسألها فقالت : أما السبت فلم أحبه منذ أن أبدلني
الله به الجمعة ، وأما اليهود فإن لي فيهم رحماً ، فأنا أصلها ، ثم قالت : يا جارية ما
حملك على ما صنعتِ ؟ قالت : الشيطان . قالت : فاذهبي فأنت حرة ) [13] .
ولكن إنْ مَرَّ كيدُ الشيطان على بعض العلماء فإنه لا يمرُّ على عمر رضي الله
عنه الذي كان الشيطان يَفْرَقُ منه . وهكذا نجدُ أن الشيطان قد نَصَب أحابيله وأقامَ
شِراكه ودبَّر مكائده حتى يصطاد العلماء وطلبة العلم فيها . فلا يُغْفَلُ عملهُ ؛ إنه
دورُ :  ( ولكن بالتحريش بينهم )  [14]  .
مراعاة التخصصص :
والحاصل أن الدارقطني رحمه الله حين تكلم فيما تكلم لم يجاوز فنه ، ولم يتعد
تخصصه ، فقد كان إمام الجرحِ والتعديل ، والحديث عن الرجال ، فلا يعنَّفُ ولا
يُهْجَر . فإذا كان المخطئ في غير فنِّه يُرْفَقُ به ، ويردُّ إلى الصواب فمن باب أوْلى
المتخصص . ومن هنا ردَّ العلماءُ على ابنِ طاهر حين قال : ( وأقبحُ ما رأيتُ في
قولِ إمام الحرمين [15] في كتاب أصول الفقه : والعمدة في هذا الباب على حديث
معاذ) قال : (وهذه زلةٌ منه ولو كان عالماً بالنقل لما ارتكب هذه الجهالة ) .
قال الحافظ :  ( قلت : أساء الأدب على إمام الحرمين ، وكان يمكنه أن يعبِّر
بألين من هذه العبارة ، مع أن كلام إمام الحرمين أشدُّ مما نقله عنه ، فإنه قال :
(والحديث مدون في الصحاح متفق على صحته لا يتطرق إليه التأويل) [16] .
فهذا في مَنْ لم يبلغ المرتبة العالية في هذا الفن ( أما من بلغَ مرتبة الرسوخِ
والإفادةِ ، وكان على جانب عظيم من العلم كالدارقطني ، وانتحل مما انتحل عن
اجتهادٍ ونظرٍ فلا يُرتابُ في العناية بالأخذ عنه والتلقي منه )  .
ثمرة فعل الصيمري :
لقد نعتَ ابنُ كثير الإمامَ الصَيْمَري بأنَّه كان عارفاً بحقوقِ العلماءِ ، ومن حقِ
الدارقطني عليه أن لا يقطعه بل ينْصَحه ولذلك قال : ليتني لم أفعلْ ! [17] . إنه لم
يَزدْ على تركِ مجلسه ، فلم يتكلم فيه بل حفظ لسانه . وتُعَدُّ هذه في عصرنا منقبة
للهَاجِرِ ليقابل من يعنِّف على مخالفه ويفسِّقه ويبدِّعه ، وأين هذا المسلك الذي سلكه
الصَيْمَري من مسلك زاهد الكوثري الحنفي الذي آذى العلماء الذين تكلموا في أبي
يوسف أمثال البخاري ، والخطيب والعقيلي ونبز الأخير بأنه حشوي [18] . فهذا
يعتبر عقوقاً من الخَلَفِ بتركِ مسلك السلف !
ثم قال : ( إيشٍ ضرَّ أبا الحسن انصرافي ؟ ) لم يضرَّه شيئاً بل بقي إمامَ
عصره . إن انجفال طلبة العلم عن علماء السُّنَّة والدعاة إليها بسبب اجتهاد أو خطأ
يفوِّتُ عليهم وا أسفا علماً جماً ، وخيراً كثيراً ومّا يٍضٌلٍَونّ إلاَّ أّنفٍسّهٍم مّا
يّشًعٍرٍونّ [آل عمران : 69] . ولا يَبْعُدُ أن يكونَ ذلك عقوبةَ الظلم ، وترك
الإنصاف ؛ وما ضرَّهم لو صححوا الخطأ واعتذروا له ؟ ورحم الله ابن
الوردي [19] حين قال :
والناسُ لم يصنِّفوا في العلمِ      ما صنَّفوا إلا رجاءَ الأجرِ
لكنْ قديتُ جَسداً بلا حسدْ      واللهُ عندَ قولِ كلِّ قائلِ
لكيْ يَصْيروا هَدَفاً للذمِّ      والدَعَواتِ وجَميلِ الذكرِ
ولا يُضيعُ الله حقاً لأحدْ      وذو الحجَا في نفسِه في شاغلِ
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين ...
________________________
(1) أبو عبد الله الحسين بن علي الصيمري ، أحد أئمة الحنفية كان صدوقاً وافر العقل عارفاً بحقوق
العلماء البداية والنهاية ، 12/57 ، السير ، 17/615 .
(2) أبو الحسن علي بن عمر البغدادي الدارقطني صاحب السنن الحافظ المجوِّد ، كان من بحور العلم
وأحد أئمة الدنيا ، انتهى إليه الحفظ ومعرفة علل الحديث ورجاله ، البداية والنهاية ، 11/307 ،
السير 16/449 .
(3) سير أعلام النبلاء ، 17/616 .
(4) أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم صاحب أبي حنيفة الإمام المجتهد ، لم يختلف يحيى بن معين وأحمد
بن حنبل وعلي بن المديني في ثقته في النقل .
(5) وقع بين محمد بن جرير وأبي بكر أمور وكانت الحنابلة حزب ابن أبي بكر فكثروا وشغبوا عليه
السير ، 14/277 ، وقد صدق ابن عقيل حيث يقول : ( رأيت الناس لا يعصمهم من الظلم إلا العجز
ولا أقول العوام بل العلماء ، كانت أيدي الحنابلة مبسوطة ، في أيام ابن يونس فكانوا يستطيلون على
أصحاب الشافعي فلما جاءت أيام النظَّام استطال عليهم أصحاب الشافعي فتدبرت أمر الفريقين فإذا بهم
لم تعمل فيهم آداب العلم ) ، شرح الإقناع ، 1309 .
(6) سير أعلام النبلاء ، 14/262 ، طبقات السبكي ، 2/137 .
(7) الفتاوى لشيخ الإسلام ، 10/382 .
(8) سير أعلام النبلاء ، 5/272 .
(9) جزء من حديث صحيح عند البخاري من حديث أبي هريرة .
(10) وقد تعقب السبكي الأشعري تلميذ الذهبي على شيخه هذه القصة بما لا طائل تحته ؛ وهذا يعد
تعصباً أيضاً وجرأة على شيخه انظر طبقات السبكي ، ترجمة ابن عصرون ، وحاشية السير ، 21/
129 ، سير أعلام النبلاء ، 21/129 .
(11) ومن الصور المبكية أن الكيا الهراسي أشيع أنه باطني إسماعيلي فنمت له فتنة هائلة هو بريء
منها ، ولكن وقع الاشتباه على الناقل ، فإن ابن الصباح باطني إسماعيلي كان يلقب الكيا ثم ظهر
الأمر وفرجت الكربة ، الطبقات الكبرى .
(12) سنان بن الفحل الطائي .
(13) السير ، 2/231 .
(14) رواه مسلم ، ح/5030 .
(15) قال الذهبي : كان هذا الإمام مع فرط ذكائه وإمامته في الفروع وأصول المذهب وقوة مناظرته لا
يدري الحديث كما يليق به لا متناً ولا سنداً ذكر في كتاب البرهان حديث معاذ في القياس فقال : هو
مدون في الصحاح متفق على صحته ، السير 18/471 .
(16) السلسلة الضعيفة ، 2/28 .
(17) يقول تعالى : ] ولا تنسوا الفضل بينكم} [ [البقرة : 237] .
(18) حاشية مناقب أبي حنيفة وصاحبيه ، ص 72 .
(19) ويقول الحريري : وإن تجد عيباً فسدَّ الخللا جلَّ الذي لا عيبَ فيه ، وعلا .

(( مجلة البيان ـ العدد [‌ 150 ] صــ ‌ 30     صفر 1421  ـ  مايو 2000 ))


الاثنين، 23 مارس 2015


محمد العيد آل خليفة الشاعر الجزائري

للجزائر كما للأمم العريقة في المجد والحضارة تراث أدبي وعلمي يربط حاضرها بماضيها فتبني عليه مستقبلها، هذا التراث الذي صنعه أدباء وعلماء وشعراء، فبقوا خالدين بأعمالهم.
ومن الذين كان لهم الصرح الكبير في نظم الشعر ، الشاعر محمد العيد آل خليفة الذي كانت له الشخصية المتميزة في الشعر الجزائري الحديث والذي أحتل مكانة مرموقة بغزارة إنتاجه وتنوعه وصدقه في فنه ومشاعره ، فعد بذلك نغما جوهريا في صوت الجزائر بوجهها العربي الاسلامي.
وقدحاولت ان اتغرض بايجاز لهذا الشاعر من جوانب مختلفة ، عن حياته: مولده و ثقافته ، شخصيته و مكانته وتصوفه وحركته الاسلامية فهو رجل اصلاح وتصوف في آن واحد ، وانه جاهد بلسانه وقلمه من اجل جزائر حرة ومستقلة فكان منبع النهضة والصمود الذي يصب في قلب الشعب الجزائري ، لننتقل بعد ذلك الى المبحث الثاني الذي خص للحديث عن شعره والمراحل التي مرّ بها ، ثم ما تناوله من موضوعات اساسية واخرى ثانوية وكذا الخصائص الفنية لشعره
مولده ونسبه :
هو محمد العيد آل خليفة ، تنسم ريح الحياة في 27 من جمادى الأولى 1323هـ(1) ، الموافق لـ28أوت1904م ، بعين البيضاء؛(2) تنحدر أسرته من القبيلة العربية (المحامبد) والتي سكنت ليبيا في العهد الفاطمي ، ومنها انتقلت الى الجزائر في العهد العثماني واستقرّت في "واد سوف" بالجنوب الجزائري(3).
ولد في أحضان أسرة متدينة ، وتحت رعاية أبٍ صوفيٍّ صالح ، فتزعزع في ذلك الجوّ الأسريّ المفعم بالتقى والعفة والورع وتشربت نفسه هذا الحبّ العميق المتوارث للعقيدة الإسلامية والأخلاق الفاضلة والإيمان الشديد بعزّ الإسلام والوطن (4).
منابع ثقافته:
تعد الأسرة التي عاش فيها "محمد العيد" أول منبع لثقافته ، فقد أخذ منها الكثير كحب الوطن وحبّ العقيدة والقيام بتعاليمها ، وكذا محبة الأخلاق السامية والتحلي بها .
ثمّ استهل تعلمه وحفظه للقرآن الكريم ، في الكتاتيب ثم التحق بالمدرسة التابعة لمسقط رأسه بعين البيضاء حيث بدأ يتلقى المبادئ الأولى في العلوم الدينية واللغوية ، على يد الأستاذين : الشيخ أحمد بن ناجي والشيخ محمد الكامل بن الشيخ المكي.
أتمّ حفظ القرآن الكريم وهو صاحب الأربعة عشر سنة، على يد أحد أئمة مساجد بسكرة ، ثم توجه لدراسة التوحيد(5) والفقه والنحو والمنطق وغيرها من العلوم الدينية واللغوية ، على يد الشيخ"عليّ بن ابراهيم العقبي" ، وفي عام1921م، سافر الى تونس ، قبلة البعثات الطلابية آن ذاك وانتسب الى جامع الزيتونة ، ولماّ وجد أن الكتب المقررة في درجته ، كان قد قرأ معظمها بالجزائر ، قررّ التخلص من هذه الطريقة النّظامية ، التي تلزمه بالحضور في حلقة معينة ، فراح يحضر حلقات مختلفة المستويات مماّ سمح له باختيار ما يلائمه من دروسٍ وأساتذة ، والى جانب هذا كان يداوم بصفةٍ حرة على بعض الدروس في بعض المواد العصرية كالحساب والجغرافية وغيرها وذلك بالمدرسة الخلدونية ، وبقي على هذا الحال مدة سنتين ، ولأسبابٍ مرضية عاد الى الجزائر عام1923م ، دون أن يحصل على أيةّ شهادة علمية ، وكان مايزال طالب علم، متعطشاً الى المزيد ، فاتصل بالعديد من الشيوخ ، وأخذ عنهم الكثير من العلوم منها؛ الفقه والحساب والفلك والتفسير وعلوم البلاغة ، ومن بين هؤلاء الشيوخ ؛ البشير الإبراهيمي ، والطيب العقبي.
1-محمد العيد آل خليفة: دراسة تحليلية لحياته، تأليف أ/محمد ابن سمينة /ديوان المطبوعات الجامعية، ابن عكنون –الجزائر1992-ص9(بتصرف).
2-في الأدب الجزائري الحديث تاريخاً وأنواعها وقضايا وأعلامها تأليف،د /عمر بن قينة ، ديوان المطبوعات الجامعية، ابن عكنون –ص66(بتصرف).
3- محمد العيد آل خليفة: دراسة تحليلية لحياته، تأليف أ/محمد ابن سمينة-ص07(بتصرف).
4-نفسه-ص09(بتصرف).
5- نفسه-ص09-10-11(بتصرف).
إضافة الى كلّ هذا كانت البيئة الاجتماعية قد أثرت هي الأخرى في تكوين شخصيته العلمية(1)، وكذا مكتبته الخاصة التي كانت تحوي مصنفات دينية وعلمية ، كما شملت أمهات الكتب المشهورة في اللغة والأدب وبعض دواوين الشعراء القدامى والمحدثين(2).
ونظراً لثقافته واختلافها فقد تقلد بفضلها عدةّ مناصب نذكر منها : درّس في عدةّ مدارس وتولىّ إدارتها مثل :جمعية الشبيبة الإسلامية في مدينة الجزائر سنوات"1928-1940" وكان مديراً لها عام1931م.
وكذا مدرسة التربية والتعليم في باتنة سنوات"1940-1947" ومدرسة العرفان بعين مليلة سنوات"1947-1954" ، تولى منصب إمام بمسجد من المساجد الحرةّ بعين مليلة .
-احتل منزلة عضو في جمعية العلماء المسلمين الجزائريين منذ تأسيسها(3) عام 1931م، وكان نائب رئيس لجنة الآداب التابعة للجمعية(4).
شارك في النهضة الصحافية ببسكرة ، حيث نشر في معظم الصحف والجرائد شعره.
احتل منصب عضو في الهيئة المؤسسة والمحررّة لجريدة صدى الصحراء ، كان العضو الثاني الى جانب العقبي في إصدار وتحرير جريدة الإصلاح ، كما كان عضواً في تأسيس مطبعة الإصلاح؛(5).
كان عضواً مراسلاً في مجمع اللغة العربية بدمشق(6).
كما اعتبر كاتب مسرحيّ، مثلت مسرحياته في الحفلات الطلابية(7).
شخصيته ومكانته:
حياته الدينية التي شبّ عليها جعلته منذ صباه راغباً عن حياة الدنيا موليا وجهه عن زخرفها ، قانعاً بالقليل منها، مماّ طبع بطوابع الجدّ ، فنشأ بذلك عزوفاً عن الحياة المليئة بالبذخ والملذات فهو لم يعرف ماعرفه بعض الشعراء في القديم وفي الحديث ، من مظاهر اللهو والترف في مراحل حياته ، كما لم يعرف من ناحية أخرى، ذلك الترددّ ما بين اللهو والتدين أو ذلك الازدواج في الشخصية ، الذي وقع فيه بعض الشعراء المحدثين أمثال "أحمد شوقي"بل شبّ على الدين والتقوى وشاب عليها، فتجلى ذلك في طهارة قلبه وعزةّ نفسه والميل الى البساطة والتواضع والنّفور من الادعاء والتعقيد والتكبر ، وهاهو ذا يقول في التواضع:
إنّ التواضع من سمات البـرّ من ** يَعْتَدْه فهو البَرُّ في الأقـوام
وقد شبه الأستاذ "محمد بن سمينة" شخصية الشاعر بشخصية "حسان ابن ثابت الأنصاري" حيث قال: وتكاد شخصيته في هذه الجوانب تقترب من شخصية الشاعر حسان ابن ثابت الأنصاري ، الذي كان يغزو مع المجاهدين في صدر الاسلام . إلاّ أن عدته وعتاده في ذلك الغزو إنماّ هو لسانه وشعره وكذلك شاعرنا كان شاعراً في الحرب

1-السابق-ص11،12،13(بتصرف).
2-نفسه-ص24(بتصرف).
3-في الأدب الجزائري الحديث ،د /عمر بن قينة-ص66(بتصرف).
4-السابق-ص57(بتصرف).
5-نفسه-ص66(بتصرف).
6-محمد العيد آل خليفة: دراسة تحليلية لحياته، تأليف أ/محمد ابن سمينة-ص21.
7-نفسه –ص30(بتصرف).
وشاعراً في السلم ولكنه لايملك من العدةّ في كلتا الحالتين إلاّ الشعر والأدب:
أسالم الناس في عيشتي فإن عمدوا ** الى خصامي فسيفي :الشعر والأدب
وإن دعاني قومي أن أنا صرهم ** فعدتي في انتصاري : الشعر والأدب
ويقول عنه الدكتور عمر بن قينة:"هو شخصية متميزة عكسها شعره الذي رافق مرحلة النهوض السياسي والفكري والاصلاحي ، فعبرّ عن ذلك بصدق وإخلاص ... فكان بذلك نغماً جوهرياً في صوت الجزائر ، بوجهها العربي الاسلامي، وملامحها الانسانية ، منساقاً في كلّ الأحوال لقيم الخير والحرية والعدل والمحبة والرحمة والتكافل والبذل ...مماّ يعكس حقاً شخصية شاعر فنان يهزه الحدث الكبير ، كما تطربه اللفتة الصغيرة والصورة الجميلة ، مثل الفكرة العابرة"(1).
محمد العيد رجل التصوف والاصلاح:
كان "محمد العيد" واقعاً تحت مؤثرات البيئة الاجتماعية ، التي كانت في معظمها بيئة دينية محافظة ، فجمع في تكوينه الفكري ما بين مبادئ الاصلاح التي كانت بذورها الأولى قد غرست في نفسه قبل سفره الى تونس ، وبين النزعة الصوفية التي انتقلت اليه وراثة واكتساباً ، من أسرته بوجهٍ عام ومن أبيه بوجه خاص والذي كان صوفياً على الطريقة التّجانية.
ويضاف الى تأثير الأسرة والأدب ، تأثير آخر وهو تأثير الأساتذة والمشايخ فمعظمهم كانوا رجال إصلاح وتصوف هذا ما ساعد على تعميق الصلّة(2) بين الشاعر والاصلاح من جهة ، وبينه وبين التصوف من جهة أخرى، فمشايخه من آل المكي بن عزوز بيعين البيضاء ، وكانوا شيوخاً للطريقة الرحمانية ودعاة اصلاحٍ في آن واحد، لقد تمسك الشاعر بهذه الطريقة الصحيحة، كما كان يرى أنه لايخرج فيها الى ما يشين الى العقيدة ، أو يخدش بها الدّين ، بل يرى أن هذه الطريقة هي منهج للعبادة والذكر ، كما أنها لاتتناقض مع فكرة الاصلاح ، وذلك لأنهما يلتقيان في بعض الغايات ، بصفتها عامل من عوامل نشر الاسلام وذلك لما تعتمد عليه من الأصول الدينية من قرآن وسّنة.
لقد كان الشاعر مصلحاً صوفيا داعيا الى الاصلاح ناشراً للمفهوم الصحيح للاسلام ومقاوماً للانحراف ، والجهود والأهواء ولا عجب في ذلك فقد عرفت هذه الثنائية بين الصوفية والاصلاح ، وبين العمل للدنيا والعمل للآخرة في القديم والحديث ، وممّن اشتهر بذلك من القدماء : حجة الاسلام أبو حامد الغزالي (450-505هـ) الذي جمع ما بين التصوف والفقه وبين العلم والفلسفة، ونشير الى أنّ الشاعر معجباً بمنهج أبو حامد الغزالي ، مماّ يبرز تأثره به فهو يقر بهذه الحقيقة في قوله:"إنيّ أحبّ مشرب الغزالي لأنه لا يخرج عن الشريعة ، ولايهمل العقل"(3).
كان محمد العيد آل خليفة يشرف على تسيير مؤسسة مدرسة الشبيبة الاسلامية التي تعتبر في نظر الاستعمار من أخطر المؤسسات التعليمية في قلب البلاد وهو من جهة أخرى شاعر أسهم بشعره ، في توعية المواطنين

1-في الأدب الجزائري الحديث ،د /عمر بن قينة-ص65-66(بتصرف).
2-محمد العيد آل خليفة: دراسة تحليلية لحياته، تأليف أ/محمد ابن سمينة-ص13-14-15(بتصرف).
3-نفسه-ص35(بتصرف).
وتصويب تطلعات شعبه ، والدفاع عن قضاياه ، وهو من جهة ثالثة ركن من أركان الاصلاح والوطنية يحمل لواء الدعوة الى المقاومة .
ولهذه الأسباب مجتمعة ، كان "محمد العيد" محل شبهة تكاد تكون دائمة ، فكانت العيون تترصده في حلّه وترحاله ، وتحسب عليه حركاته وسكناته فهو محارب أينما وجد .
ولعله أشار الى بعض ذلك في هذه الأبيات حيث يقول :
إنّ للناس أنفسًــا ** ضاريات على الضرر
وعيوناً رقيبـــةً ** شرّة تقذف الشـرر
فأنج من كيدها وكن** من أذاها على حذر
وقد قدم للمحاكمة عدة مرات بتهمة أنه يقوم بتعليم اللغة العربية والدين الاسلامي ، وتوعية الشعب . وكان يستدعى للاستنطاق من حين لآخر ، وقد هددّ بالسجن أكثر من مرة ودخله عام1955م من شهر جوان(1)، وبقي شاعرنا يعيش حياة غير مستقرة تملاها الضغوطات والمطاردات لينتهي به الحال الى فرض الاقامة الجبرية عليه في منزله الذي بقي محاصراً طوال أيام الثورة المباركة.
وقد صور لنا حالته في هذا الشأن بقوله:
أخال إقامتي جبراً كقبــر ** حملت اليه كالجثث البوالي
أرى الأحياء من حولي قريبا** وهو بالعيش عنيّ في اشتغال(2)
وبالرغم من تلك الحياة التي عاشها شاعرنا تحت الظروف القاسية والحرب النفسية لم تنل من عزيمته ولم توقف نظاله بل واصل رسالته لما يغمر قلبه من ثقة بالله تعالى ، وحبّ الوطن وتفانٍ في خدمته وبقي يساهم في الاصلاح الديني وتوعية الشعب واستنهاض هممه؛ لهذا نقول إنّ لنزعته الزهدية والصوفية جذور قديمة متأصلة في أعماقه فما برحت تمدها وتغذيها أسباب متعددة من ميراثه الصوفيّ ونشأته الدينية وبيئته المحافظة وتكوينه العربي الاسلامي ومعايشته لمأساة أمته كما أنّ محاصرته داخل منزله وفرت له الجوّ الملائم للنزوع الصوفيّ ومكنّته من النمو والسمّو في نفسه ، واستمر على هذا الحال متفرغاً للعبادة ، لايتصل بالحياة الدنيا وأهلها إلاّ بحذر وبمقدار .
وفي سنّ الشيخوخة(بعد الاستقلال) خلص للعبادة وخاصة بعد أدائه لفريضة الحج سنة1966م فقد أصبح كلّ وقته له، تفرغ فيه الى خلوة تكاد تكون خالصة ، يشبع فيها تلك الرغبة الكامنة من هذا الفيض الرباني، ويعكف فيها على نفسه، يجهدها في طاعة الله، والتقرب اليه بصالح الأعمال وخالص العبادة وصادق الذكر ، وانكب عليها يزكيها ويزهدها في الحياة الدنيا ويرغبها في الحياة الأخرى ونعيمها .


1-محمد العيد آل خليفة: دراسة تحليلية لحياته-ص62-الى69(بتصرف).
2- محمد العيد آل خليفة: دراسة تحليلية لحياته، تأليف أ/محمد ابن سمينة-ص105-106(بتصرف).


يقول في النزعة الصوفية هذه الأبيات:
لأرباب القلوب عهود صـدق ** وأقوال تصدقها الفعال
على القلب السليم بنوا وشادوا ** له ملكاً وبالملكوت جالوا
وبالظّن الجميل جنوا ثمــارا ** زكيات لها زكت الخلالُ
جمال الله أذهلهم فهامـــوا ** وأدهش بالهم منه الجلال(1)
فما سكنوا الى الدنيا قلوبــا ** وماركنوا لزخرفها ومالوا
فكن أبداً مع الأبرار واجنـح ** لهدى إمامهم فهو المثـالُ
رسول سن سنته طريقـــاً ** معبدة يباح بها الوِصـال
نلاحظ من خلال هذه الأبيات ، صدق التجربة وحرارة الانفعال ، اللذين كان الشاعر يعيشهما، وهو يحيا هذه الأجواء الرّبانية مما يعكس بعض ملامح صوفيته ، التي استقى أصولها من صميم الاسلام .
بقي الشاعر يعيش أواخر أيامه بصوفيته وزهده وعكوفه عن الحياة الدنيا، إلى أن مرض ونقل إثر ذلك الى مستشفى مدينة باتنة وبقي على حاله يوم الأربعاء ، وتوفي السابع من رمضان المعظم سنة1399هـ الموافق لـ31جويلية1979م ونقل جثمانه الى مدينة بسكرة حيث دفن بمقبرة "العزيلات" وذلك يوم09من شهر رمضان لليوم الثاني من شهر أوت(2).

1-السابق-ص118-119-120(بتصرف).
2-نفسه-ص136(بتصرف).

مراحل شعره:
لم يترك الشاعر وراءه ما يتهالك عليه المتهالكون من حطام الدنيا ولكنه ترك لنا شعره ، وأهم ما وصلنا منه ديوانه الذي يقع في أكثر من ست مائة صفحة(1)، ويحتوي على 6797بيتاً من الشعر(2)، طبع عام1967م على نفقة وزارة التربية الوطنية في الجزائر ، ثم قامت الشركة الوطنية للنشر والتوزيع بطبعة مرة ثانية سنة1979م، كما ترك ملحمة شعرية يصور فيها الجزائر حتى عام1964م بعنوان: وحي الثورة والاستقلال، وهي في446صفحة ومسرحية شعرية بعنوان"بلال بن رباح"(3).
إنّ الموهبة الشعرية لدى محمد العيد مكنته من التعبير عن أحاسيسه وتجاربه فجادت قريحته بقول الشعر ونظم القصائد وتعتبر أول خطوة خطاها وهو مايزال طالباً في بسكرة ، أعانه على ذلك أنه نشأ في بيئة أدبية ودرس على يد شيوخ معظمهم شعراء مثل معلمه الأول بعين البيضاء "محمد الكامل بن عزوز" ، ولماّ انتقل الى بسكرة توفرت لديه حوافز الابداع فبدأ ينظم قبل أن يتعرف تعرفّاً جيداً على أدواته بدافع من موهبته وبتأثير من محفوظاته وهو لم يتعدى السابعة عشر من عمره ، فكان يعرض ما ينظم على أقرانه وعلى شيخه علي بن إبراهيم العقبي فكان يحضى بالاعجاب والتشجيع حيناً وبالنقد والتوجيه حيناً آخر .
إن ّ لهذه المؤثرات المختلفة مفعولها في تغذية اتجاه الشاعر الى قول الشعر فاستمر في هذا الاتجاه وتعتبر قصيـدة "داعي النهوض" من أقدم القصائد الكاملة التي وصلتنا على حدّ تعبير الأستاذ محمد ابن سمينة والتي قالها حوالي سنة1920م ثم نشرها في 24جويلية1925م(4).
أما عندما كان طالبا في تونس لم يتسنى له أن قال شعراً وذلك لأنه وقع أمام الخيار الحاسم فرض عليه أن يختار اتجاه من الاتجاهين وهما إماّ يسير في طريق الأدب وإماّ أن يسلك طريق العلم والتحصيل فاختار الاتجاه الثاني يقول في هذا الصدد : (كنت طوال فترة وجودي بتونس منكباً على التحصيل العلمي مشتغلاً به دون سواه ، لإحساسي أنّ ما حصلت عليه من الأدب قد يكفيني الى حين ولذلك لم استكثر من الشعر ولم أحرص على عقد الصلّة بيني وبين من كنت أسمع بهم من شعراء تونس يومئذ...على الرغم من أنيّ كنت أترددّ على البعض المحافل الأدبيةأحياناً).
وعند عودته من تونس استقر ببسكرة وكانت تشهد يومئذ بوادر نهضته علمية وأدبية نشطة يساهم فيها ويوجهها كوكبة من الكتاب والشعراء فاندمج الشاعر في هذه الحركة ، ويعلق على ذلك فيقول : (في بسكرة فتحت عيني على النهضة الأدبية والعلمية وتعرفت على بعض الأدباء وكان لي معهم مساجلات أدبية ورسائل شعرية).


1-محمد العيد آل خليفة: دراسة تحليلية لحياته-ص29(بتصرف).
2-الاسلام والعروبة فيشعر محمد العيد آل خليفة/رسالة تخرج لنيل شهادة ليسانس من إعداد (تقاري محمد-خليفة الطاهر-علالي عبد القادر)،تحت إشراف الأستاذ :"وذناني بوداود" دفعة(1995-1996)-ص79.
3-محمد العيد آل خليفة: دراسة تحليلية لحياته-ص29(بتصرف).
4-نفسه-ص47-48-49(بتصرف).
ويمكن القول أنّ الانطلاقة الحقيقية للشاعر في الميدان الفني ترجع الى الفترة التي عقبت عودته من تونس ، والذي يدلّ على هذا هو غزارة إنتاجه(1) وتمرسه فيه.
أما ما سبق هذه المرحلة فتعد بدايات وارهاصات لما بعدها ومن أقدم القصائد في هذه المرحلة "قصيدة صدى الصحراء" حيث تتضمن دعوة حارة الى العمل واليقظة والاصلاح ، حيث يقول:
صفا العيش لي وامتد ريف ظلالـي ** فمـا تكاليف الزمـان ومالـي
صفا العيش وازدان روض مواهـبي ** وأينع فضلي واستبـان كمالـي
وكنت صدى الصحراء أدعى لأنني ** بسطت على الصحراء نور هلالي
وواليت بالارشاد رفـع عقيرتـي ** عسى أن يهب النائمون حيالي
وهبوّا الى الاصـلاح فالله كافـلٌ ** لمن هبّ للاصلاح حسن مئـال
ويبدو من خلال هذه القصيدة أن الشاعر قد دخل الحياة العامة ، بعد عودته من تونس مباشرة ، لكنه سرعان مااصطدم بالواقع السّيء الذي يتخبط فيه شعبه ، ولكونه لم يزل بعد طريّ العود، غضّ التجربة، ولم يكن يملك الوسائل التي تمكنه من المقاومة الصلبة، فقد تراجع الى الخلف وأصيب بتوتر نفسي دفعه الى العكوف على نفسه يتأملها ويبحث عن سرّ الحقيقة في أغوارها ، وساعد على نمو بذور تلك النزعة الانطوائية التي شبّ عليها فتبّرم من الدّهر وهو في ريعان الشباب ، يعبر عن ذلك بقوله:
سئمت على شرخ الشباب حياتي ** فحرتُ ولم أملك عليّ ثباتـي
أرى حظّ أرذال النفوس مواتيـاً ** وحظّ كريم النّفس غير مواتـي
فأوجس في نفسي من الدّهر خيفة ** لعلمي بأن الدهر ذو غمـرات
أرى الكون قرآنا من الله منـزلاً ** على الروح والأحداث آي عظات
وأقرأ من آي الشقـاوة أسطـراً ** على صفحات الكون مرتسمات
ولايمكن أن نرجع هذا السلوك الى الفشل ، بل يرجع الى إحساسه العميق بمأساة وطنه (2).
وتجدر الاشارة الى أنّ نقول أنه لم يعثر في ديوانه على أكثر من أربع قصائد ومقطوعة واحدة، وذلك كلّ مايمثل حصيلة ما أنتجه أثناء الثورة المجيدة إلاّ أن هناك من يذكر أن للشاعر قصيدتين فقط، وهذا لايعني أنه لم يكن يكتب شعراً والدليل على هذا قوله: (كنت أكتب وأكتم ما أكتب).
ويمكن أن يكون ماكتبه يومئذ قد أتلف أو حرق أثناء بعض الحملات الارهابية التفتيشية التي كان المحتلون يشنونها على بيوت المواطنين ومحلاتهم، يقول الشاعر في هذا الصدد: (كنت قد نظمت أثناء الثورة بعض الشعر، وهو قليل لكنه قد ضاع منّي بسبب ظروف التحري التي كناّ نخضع لها في أغلب الأوقات ).


1-محمد العيد آل خليفة: دراسة تحليلية لحياته-ص49-50-51(بتصرف).
2-السابق-ص53(بتصرف).
أما بعد الاستقلال وبعدما أصبح حلم الشاعر حقيقة (المتمثل في الاستقلال) خرج من أسره تغمره الفرحة وتهزه النشوة وتوفرت له حوافز القول ودوافع الإنشاء، مضى يغني للحرية بعد صمتٍ طويل ، غناءا أطرب الأسماع وهزّ القلوب، فظنّ أولئك الذين حركتهم تلك الألحان الصادقة أنّ الشاعر قد استعاد سيطرته على الموقف وملك زمام أمره وأنه سيمضي على هذا الطريق بهذه القوة والحرارة نفسها التي عهدت في شعره .
ولكن الحقيقة كانت غير ما كان يفكر فيه هؤلاء ، ذلك أنه ما كان من الشاعر(1) .
في هذه السنوات الأولى من الاستقلال إلاّ فيضا وجدانيا لما يغمر قلبه من مشاعر الفرحة وهزّ الوجدان فكانت تلك الروائع استجابة لهذه الأحاسيس الحارة فقط لا أكثر ، فعاد الى العزلة والصمت وألوان العبادة والتصوف من جديـد(2) .
مواضيع وأغراض شعره:
إنّ مضامين شعره تتركز حول محاور أساسية ، يمكن القول أنهاّ أربعة لايكاد الشاعر يغادرها إلاّ ليعمقها ويمكن لها وهي: (الاسلام والعروبة ، الوطن والانسانية) .
إنّ الاسلام هو الركيزة الأساسية التي تقوم عليها الأمة وبه تحي وتستمر فالتاريخ يكشف لنا على أنّ الكثير من الأمم قد آلت الى الزوال بعدما حرّفت عقيدتها ، لهذا أخذ محمد العيد على عاتقه مهمة الدفاع عن العقيدة ومبادئ الاسلام داعيا الشباب للتمسك بالدين باعتباره الطريق الوحيد للنجاة والنجاح يقول:
نتمنى لك الثبات على الـرّ ** شـد وما أنت عندنا مسترابُ
نتمنى بالدين أن تتحلــىّ ** من تحلىّ بدينـه لايـعـابُ
إنماّ الدين لليوث عريــنّ ** لا تغرنك بالعواء الذئــابُ
إنماّ الدين في المبـادئ رأس ** المجـد منهـا وغيره أذنـابُ
من هذه الأبيات يظهر لنا ان الشاعر متشبع بالروح الدينية والتقى والورع يحب الخير للجميع وينصح الشباب للتمسك بالدين ، والحفاظ على العقيدة لأنها حبل إعتصامه وقوة وحدته وعزّته .
أماّ العروبة في نظر شاعرنا هي أنّ كلّ من تكلم العربية ودافع عنها فهو عربي يتمتع بكامل عروبته ، وهو بهذا يؤكد معنى العروبة الحقيقي دون تعصب لها كعرق ، وإنماّ ينظر اليها كمعيار للحضارة التي سهلت الوحدة بين أبناء لغة الضاد ، ولهذا فشاعرنا يهتم باللغة لأنها تمثل بالنسبة اليه أحد المقومات الهامة التي من شأنها الربط بين أبناء العروبة فقد نوه لها انطلاقاً من أصالتها وكونها وعاءا حوى ماضي الأمة التي تشترك في المصير(3) ،

1-2-محمد العيد آل خليفة: دراسة تحليلية لحياته-ص116-117(بتصرف).
3-الاسلام والعروبة في شعر محمد العيد آل خليفة

وعلى هذا الأساس نظم القصيدة المعزوفة العروبة أمناّ الكبرى حيث يقول فيها:
الملة السمحاء آصرة لنــا ** فوق الأوامر و العروبة مولد
هيهات تقدر أن تفرقنا يـد ** والله يجمع شملنا ومحمّــد
إنّ العروبة أمناّ الكبرى التي ** في الأمهات نظيرها لايوجد(1)
أماّ ما قاله عن الوطن فهو يعبر عن صدق تجربه وإحساسه المرهف وحبهّ العميق للجزائر ، فقد تألمّ لألمه وفرح لفرحه، أنشد فأطرب وعبّر فأجاد ، وحسّ فصدق ، شاركه في أفراحه وأتراحه بقلمه ولسانه فكان عنصراً فعالاً في استنهاض همم الشباب وبث روح الحماسة مواكباً لأحداث وطنه جسداً وروحاً .
وفي هذه الأبيات يخاطب المحتلّ الفرنسي بأن لاحقّ له في أرض شعبٍ بذل النفس والنفيس في استرجاعها فليس عدلاً أن يسلبه حقه ليستريح ويشقى هو، وأن يخلد المحتلّ ويبيد تحت ظلمه هذا الشعب ، ولكن هذه الأرض هي لأفذاذ سيبقون أحراراً رغم الطغاة الغزاة وإن أستهين بقوتهم:
ليس حقاً أن تحرمي الشعب حقاً ** لقي النار دونه و الجديدا
ليس حقا أن تستريح ويشقـى ** ليس حقاً أن تسكني و يميداَ
ليس حقا أن تستجدّي يبلى ** ليس حقاً أن تخلدي ويبيداَ
يا فرنسا ردى الحقوق إلينـا ** وأقلىّ الأذى و كفّى الوعيداَ
نحن رغم الطغاة في الأرض أحرا ** ر وإن خالنا الطغاة عبيدا(2)
لماّ تحقق النصر للشعب المفدى واسترجع دولته الفتية بعد جهادٍ طويل كلفه غالياً ،عبّر الشاعر عن فرحته بهذا اليوم الذي بقي خالداً وسيبقى خالداً...
كان يوم استقلالنا عيد شعب ** طافح البشر ساحب الأذيال
قالزغاريد والهتافات تعلــى ** بين قرع الطبول والأزجال
والأناشيد في الميادين تتلـى ** من نساء وصبية ورجــال
قد رفعنا الهامات بالنصر تيها ** و شكرنا لربّنـا المتعــال

1-الديوان-ص229.
2-الديوان-ص294.

الى جانب هذه المضامين الأساسية ، نلمح وجود بعض الأغراض التقليدية المعروفة في الشعر القديم من وصف وحكمة ومراثي وإخوانيات ...الخ، ندرج بعضا منها:
1-الرثاء: رثا "محمد العيد" شاعر النيل حافظ ابرهيم في قصيدة بعنوان"رثاء شاعر النيل" .
قمْ عزّ مصر وعزّ الشرق أقطاراً ** فحلُ مصر خبا كالنجم وانهـاراَ
ياموتُ عدتَ بنفس خصبة نبتت ** فيها المبرّات مثل الرّوض أنهـاراَ
وغلت ليثاً بجنب النيل كان لـه ** زأرّ به أوسع "التاميز" إنـذارا
ياشاعراً حنّ بالفصحى ورنّ مدى ** كالطير زقزقة و العود أوتـارا
أقام مأتمه الدنيـا وأقعـدهــا ** ودام فيها عشياتٍ و أبـكـارا
وفي الجزائر من وجـد بمأتمــه ** هولٌ عليها طغى كالموج تيـارا
وابن الجزائر بابن الشرق مرتبـط ** وإن أحاطت به الأشواك أسواراَ
يارحمة الله هبّـي نفحـةً وهـمي ** غيثا على حافظ في القبر مدرازاَ
في ذمة الله لا أنسـاه ثانـيــة ** حسبي بحبّي له عهداً وتذكـارا(1)
2-الوصف: لقد نظم الشاعر قصيدة يصور فيها مشهداً من مشاهد البؤس الكثيرة في الجزائر ومن تلك القصيدة نورد الأبيات التالية:
بدا لعيني تاعــسٌ ناعــسٌ ** على الثرى في الصبح بالي الثيـاب
جاثٍ على الرجلين حاني الحشى ** والظهر هاوي الجسم ذاوي الشباب
فهاج من حزني ومن لوعتــي ** كما يهيج النار عـودُ الثقــاب(2)
3-الاخوانيات: وفي هذا الموضوع ندرج أبياتاً كان قداحياّ بهم محمد العيد الأستاذ أحمد سحنون حينما زاره في بيته يقول:
سيديّ إننيّ إليك مشــوقٌ ** وعوادي الزمان عنك تعوق
إننيّ مذ فقدت وجهك لم أضفر ** بوجهٍ من الأنام يــروقُ
سيديّ كيف حالُ قلبك بعدي ** في زمان قد عزّ فيه الصديقُ
هل كما كان للحياة طروبـاً ** هلْ له بعدُ بالقريض خفوقُ(3)

1-ديوان –محمد العيد آل خليفة-ص454.
2-نفسه-ص28.
3-نفسه-ص408.

وقد أهدى الشاعر هذه القطعة الشعرية الى صديقيه الأستاذ الطيب العقبي والسيد عباس تركي ، بعد أن أطلق سراحهما من السجن ظلماً من الاستعمار الفرنسي ، يقول فيها:
خذا لكما عنيّ من الشعر باقة ** كذكركما كما الزّاكي تضوع وتعبق
مضت لكما في الدهر أيام محنة ** وساعات عُسر بالأماثل تلحــق
بها يمحّص الله المحقّين في الورى ** ويسحق دعوى المبطلين ويمحـق(1)
خصائص شعره:
على العموم "محمد العيد" يعتبر من أحد شعراء المدرسة الاحيائية التي تقوم على احياء التراث والاستفادة منه، إلاّ أنه جددّ في المضامين وكان شديد الصلة بالأسلوب العربي القديم ، حاول أن يخلّص أسلوبه من الضعف والتصنع والجمود(2).
ومن أهم خصائص شعره:
1-يكاد شعره يخلو من تصوير لعواطف الشاعر وأحاسيسه الذاتية الخاصة ، فغلبت على شعره الذات القومية الجماعية(3) ، يقول في هذا الصدد: (إنّ ذلك الموقف الذي اتخذته، وذلك المنهج الذي إلتزمت به في شعري إنماّ هو تعبير عن وجدان الأمة ، وإنيّ وإن كنت قد قلت في بعض الأشخاص فلأني كنت أعتبر ذلك جزءاً أساسياً من عملي الوطني والقومي)(4).
ومثال ذلك قوله:
نحن الدعاة الى الحسنى فما أحدّ ** مناّ بمجترح للشـرّ مجتــرم
ألا فقل للذي بالحرب فاجأنـا ** لاتلق بالحرب من يلقاك بالسلم
وقل لمن نالنا بالظلم منتقـمـاً ** حذار من نائلٍ بالعدل منتقـم(5)
2-اللغة التي استعملها في شعره هي لغة الرغبة الجادة في التبليغ ، لا لغة الزخارف والأصباغ التزييفية والتلاعب بالألفاظ(6) يقول :
أنت من عنصر الخلود لباب ** كن الى المجد طامحاً ياشبابُ(7)
لك دين مدى الدهور عزيزّ ** يبذل المالُ دونه والرّقـاب

1-الديوان-ص395.
2-محمد العيد آل خليفة: دراسة تحليلية لحياته-أ/محمد بن سمينة-ص30.
3-نفسه-ص137(بتصرف).
4-نفسه-ص140(بتصرف).
5-المحصول –شعر محمد العيد آل خليفة (شاعر الوطنية)عيسى حاجي-ص32.
6-في الأدب الجزائري الحديث ،د/عمر بن قينة-ص69-70(بتصرف)
7- المحصول –شعر محمد العيد آل خليفة (شاعر الوطنية)عيسى حاجي-ص104..

3-المعيار الفني: عنده ليس محدداً بأشكال معينة في التجديد ولا محصوراً في قوالب تقليدية زخرفية ، بل تجاوز الزخارف المصطنعة الى الانفعال بالحدث، وحسن التعبير عن التجربة ، وجودة بناءها(1)، فكان يجهد نفسه في البحث عن الألفاظ والتراكيب والمعاني المتداولة في الحياة العامة، ويذللها لشعره إذ يراها أنفذ الى مشاعر سامعيه من غيرها ، وأقدر على التأثير فيهم(2)، حيث يدخل المتلقي في حالة شعورية ذهنية فكرية روحية ، فيشارك التجربة وينفعل معها(3).
أو مثال هذا الأبيات التي صورّ موقف النساء ومشاركتهن في الثورة والكفاح المسلح، وشجاعتهن الفائقة.
قد سبقن الرجال في البأس صبراً ** وتحملن فتنة الأضــداد
وأثرن الأبطال للثأر منهــم ** فاستبادوا زروعهم بالحصاد
كم غدونا الى جريح طريـحٍ ** فأسونا جراحه بالضمــاد
وحنونا على شهيد مجيــد ** خطّ تاريخه بأزكى مــداد(4)
4-ارتبطت صوره الشعرية بمقاييس النقد القديم، تفتقد الى الغرابة والابتكار وتقترب من السطحية ، وبما أنّ التشبيه هو الأداة المفضلة عند القدامى ، فقد استخدمه "محمد العيد" بكثرة ، فهو يعتقد أنّ التشبيه هو الأقرب الى الواقع وألصق بالعقل، وأكثر تناسباً مع الاتجاه الشعري الذي اختاره الى نفسه، وهو الاتجاه الذي تغلب عليه النظرة الواقعية للأشياء ، ومن هذه التشبيهات في قصيدة"مالي وللأذى":
كن طاهراً كالملاك نفساً ** لاتظمر الحقد كالجمال
كمْ من أذى لم أعره بالا ** فغاص كالماء في الرّمال
5-هو مثله غيره من شعراء الجزائر (احتفظ بسمة من الوضوح ولم يوغل في الرّمزية وإن رمز في شعره فهو ليس بالايجابي الغامض ، لكنه نتاج ظروف سياسية واجتماعية فقط مثل ذلك قوله في الحرية:
من كان في العشاق باسمك ناطقاً ** فكأنماّ هو الناطق بمحالِ
حيث نلاحظ في هذا اليت الذي أشاد فيه بالحرية رمزٌ خفي حيث رمز لها بالحبيبة وهو إيحاءٌ ظاهر قريب جداً للمعنى واضح الهدف لايحتاج الى عناءٍ فكري (5).
6-استقى صوره من الطبيعة غالباً ، يقول محيياًّ من خلالها "جمال عبد الناصر"
إنّ الجزائر بوّأتك أرضهــا ** أكباد أحرارٍ لها وحرائــر
صحت إليك حدائقها بأزهارها ** وثمارها ضحك الحبيب السافر
واستقبلتك سهولها وحقولهــا ** وربيعها الزاهي بحسن المناظر(6)
1-في الأدب الجزائري الحديث ،د/عمر بن قينة-ص69-70(بتصرف)
2- المحصول –شعر محمد العيد آل خليفة (شاعر الوطنية)عيسى حاجي-ص212.
3-في الأدب الجزائري الحديث ،د/عمر بن قينة-ص69-70.
4-الثورة الجزائرية في الشعر العربي،د/مصطفى بيطام-ص52-53.
5-الاسلام والعروبة في شعر محمد العيد آل خليفة،رسالة تخرج شهادة ليسانس.
6-الحسن الاصلاحي في شعر محمد العيد آل خليفة رسالة تخرج لنيل شهادة ليسانس تحت إشراف أ/وذناني بوداود-ص96.

7-اقتبس كثيراً من القرآن ، ونجد هذا على سبيل المثال لا للحصر في تلك القصيدة التي صور فيها هلاك الرومان الذي لحقهم بسبب ظلمهم وطغيانهم يقول:
فصبّ عليهم ربناّ سوط بأسه ** وعاقبهم عماّ جنوه بغائل
فكما هو واضح أن محمد العيد هنا اعتمد في رسمه لهذه الصورة على قوله تعالى في صورة الفجر ... فصبّ عليهم ربكّ سوط عذاب) .
وبقول ذلك في بيت جعل شطره آية قرآنية .
لا تأمن الغدر قلنا ** حسبنا الله و نعم الوكيل (1)
كما اقتبس من الحديث النبوي الشريف وذلك حين قال:
وإنّ من البيان لنا لسحراً ** وإنّ من القريض لنا لحكمه
وهذا مستلهم من قوله صلى الله عليه وسلم: (إنّ من البيان لسحر وإنّ من الشعر لحكمة)(2).
أخذ عن بعض سابقيه من الشعراء القدامى والمحدثين لفظا ومعنى وضمنه شعره(3) ومن هذا قوله:
سئمت وإن كنت ابن عشرين حجّة ** حوادث لاتنفك مستعرات(4)
فعبارة (عشرين حجة) نجدها في بيت للشاعر زهير بن أبي سلمى حيث يقول:
وقفت بها من بعد عشرين حجة ** فلأياًّ عرفت الدّار بعد توهّم
كما نجده قد استلهم من معاني الشعر الحديث في قصيدة بعنوان "يا قوْم هبّوا" يقول :
وإذا أراد الشعب نال مراده ** ولو أنّه كالنجم عزّ مثالا
وهذا قولٌ مستوحى من مطلع قصيدة إرادة الحياة للشاعر التونسي أبي القاسم الشابي الذي يقول:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة ** فلا بدّ أن يستجيب القدر(5)
-نلمس في شعره طابع المعاناة التي تتجدد بصورة واضحة إذا تحدث عن قضية وطنه الجزائر والقضايا العربية بصفة عامة ، فالشاعر مفعمّ بالروح العربية ، يعيش تلك القضايا بشعره وأعصابه وعقله، ولعلّ خير ما يذكر في هذا الشأن قضية فلسطين الجريحة .
إيه فلسطين الشقيقة لا اتنسي ** عن ردّ عدوان اليهود الأشنع(6)
ويح القلوب فكلّ قلب شاعر ** متقطعٌ لأنينك المتقطــع
ويح العدالة والسلام فلا أرى ** غير العدالة و السلام بموجع

1-الحسن الاصلاحي في شعر محمد العيد آل خليفة رسالة تخرج لنيل شهادة ليسانس تحت إشراف أ/وذناني بوداود-ص 70.
2-السابق-ص64(بتصرف).
3- السابق-ص65(بتصرف).
4-الديوان-ص11.
5- الحسن الاصلاحي في شعر محمد العيد آل خليفة رسالة تخرج لنيل شهادة ليسانس تحت إشراف أ/وذناني بوداود-ص65.
6-الديوان-ص147.

كما يعتبر التكرار من الميزات البارزة في شعر محمد العيد حيث نجده كثيراً ما يكررّ المعنى الواحد في القصيد الواحدة أو في قصائد أخرى أو تكرار الكلمة بعينها أو أشطارها ، بذاتها عدةّ مرات ، ويقصد من وراء هذا التكرار توكيد المعاني وإعطائها صفة الحمية والوجوب وقد يقصد بها إثارة الحماس في نفوس سامعيه حتى يستحوذ على مشاعرهم ، لأنه يدرك أن مهمته تكمن في إرضاء وجدان الآخرين لأني إرضاء وجدانه فقط لذا نجده يحاول التغلغل إلى أعماقهم ومخاطبة عيونهم وقلوبهم .
ونجده في تكرار العبارات يقول في قصيدته "الشعر والأدب" يقول:
أنا ابن جديّ وقومي السّادة العرب ** وحرفتي ماَ حييت : الشعر والأدب
انفقت وقتي في شعر وفي أدبٍ ** لاشغل عندي إلاّ : الشعر والأدب
ولا غذاء به أحيا بغير طوى ** منعم البالِ إلاّ الشعر والأدب
وللاشارة فإنّ هذه القصيدة بكاملها قد كرّرت عبارة الشعر والأدب في آخر كلّ عَجُـزٍ منها:
كما أنه يكرر الأصوات لتأثره بأسلوب القرآن الكريم ، فاستخدم هذا اللون من التعبير بمهارة فائقة لتمكنه من اللغة العربية وقدرته على انتقاء الكلمات ذات الجرس الصوتي المتطابق ، وهذا ما نراه في هذه المقطوعة .
أيّها الحراس الشداد الباس
لاتبّثوا اليأس في قلوب الناس تورقها الضّنى
زحزحوا بالفأس دفة المتراس
واتركوا الأنفس تستطيب الآس تنشق السَّوْسَنا
فحرف السين يدل هنا على الألم والحسرة اللذين يعاني منهما الشاعر، وبصور حالته النفسية إزاء أوضاع أمتّه المتردّية.
حافظً "محمد العيد" وغيره من شعراء الاصلاح على نمط القصيدة العمودية والالتزام الواضح بالايقاع الموسيقي المعتمد على الوزن والقافية .
وفي الاخير نقول ان محمد العيد آل خليفة جمع بين الإصلاح والتصوف فهو بذلك جمع بين العمل للدنيا والعمل للآخرة كما يمكن ان نعتبر شخصيته شخصية دينية اكثر منها ادبية وهذا ما لاحظناه من خلال كل ما سبق فعمله يلخص في ثلاث كلمات الكلمة الهادفة شعرا ، والكلمة الطيبة تربية والكلمة الصادقة اصلاحا كما يمكن ان نقول ان تجربته ناجحة صادقة ومؤثرة ..


*قائمة المصادر والمراجع*

المصادر :

1-ديوان محمد العيد محمد علي خليفة، المؤسسة الوطنية للكتاب –الجزائر، الطبعة الثالثة .

المراجع:

1-محمد العيد آل خليفة، دراسة تحليلية لحياته تأليف الأستاذ محمد ابن سمينة ديوان المطبوعات الجامعية بن عكنون-الجزائر1992.

2-في الأدب الجزائري الحديث تاريخاً وأنواعا وقضايا وأعلاما، تأليف الدكتور عمر بن قينة-ديوان المطبوعات الجزائرية بن عكنون-الجزائر .

*الرسائل:

1-الحس الاصلاحي في شعر محمد العيد آل خليفة، من إعداد حرة زياط-تومية زروالة-صديقي ناصرية، تحت إشراف الأستاذ وذناني بوداود –دفعة 2000.

2-الاسلام والعروبة في شعر محمد العيد آل خليفة ، من إعداد تقاري محمد-خليفة الطاهر –علالي عبد القادر، تحت إشراف وذناني بوداود - دفعة1995-1996



من شبكة الفصيح