الأربعاء، 24 فبراير 2016

مركز مسبار ....العمامة الشيعية وختم الإدانة

 
مركز مسبار ....العمامة الشيعية وختم الإدانة
بقلم/ماجد الأسمري
                                  "الناقد الحقيقي هو ذلك  الذي يستخدم مشرط الطبيب لا سكين الجزار"
 
            هكذا قيل ,لكن الناقد المسباري خالف ذلك العرف المهني واستباح ذلك التقليد الأخلاقي, فجعل يحمل سكين الجزار ويلاحق الجسد السني أينما سار, و ظل يمارس معه أعلى  وأشد حالات البتر والاستئصال والتمثيل, حتى غادر الجسد السني ذلك السرير معاقاً ,مشوهاً, فاقداً للحياة التامة , بينما  تناول ذلك الناقد مشرط الطبيب مع "الغول الشيعي" الأهوج! وتناوب على تطمينه والرتب على كتفه المليئة بالأورام الخبيثة,فعلا الموقف  من المكون الشيعي بكافة تجلياته  يمثل أمراً لافتاً لمن قام بعملية رصد سريعة لنتاج (مركز مسبار للدراسات والبحوث).
       
             برنامج (حكاية حسن) الذي بثته قناة العربية، وعرضته بصيغة تبجيلية لحسن نصر الله, قادني إلى البحث عن خيط آخر يربط بين مركز بحثي شهير أحاطت سمعته الكثير من الشكوك, وبين ظاهرة النفوذ  الشيعي في المنطقة ,وبما أن الروح التي تدير المركز البحثي وكذلك القناة الفضائية  تعتبر روحاً واحدة, استهواني في البداية هدف البحث و العكوف على قراءة أكبر كم من نتاج هذا المركز المعتني بالقراءة المتحيزة ضد الحراك السني بكافة أطيافه، فالتيارات السلفية التقليدية والإخوانية والسرورية والتبليغية و الجامية والجهادية ,كانت تحت المجهر المسباري، يحاول أن يستخرج ـ كما يزعم ـ الورم الخبيث الذي ذهب بالأمة إلى هذا السفول وهذه المرحلة المتأخرة في الأفق، العقل المسباري كان متحكماً بالموقف منذ البدء، لم يعطٍ نفسه جرعة من الموضوعية وهو ينبش في أرشيف الحراك السني  ، لم يدع فرصة لتلك الوثائق والمستندات ان تتحدث عن نفسها على أقل التقديرات، كان الباحث المسباري حانقاً ومتواطئاً مع (اللاموضوعية) وهو يعلن في نتاجه البحثي عن أحكامه المسبقة التي كان يحتفظ بها لنفسه.
             الباحث المسباري يتسم بعدد من المزايا  التي يستطيع القارئ الحاذق أن يفوز بملاحظتها من خلال تلك الإصدارات المتشابهة في الحكم والنتيجة مع وفرة الأسماء التي ذُيلت بها الأوراق البحثية وتنوع ديارهم, لكن الميزة الأهم أن الروح المسبارية كانت بارعة في احتضان الرؤى المختلفة و إعادة تشكيلها, وكانت بمثابة الشخصية القيادية التي تفوقت في إحكام وإتقان ثم إخراج الصورة النمطية المشوهة للحراك السني والسكوت وتنعيم الخشونة الشيعية في المشهد المعاصر, على سبيل المثال لا الحصر , في كتاب (الإسلام الأوربي ) رصد الكاتب المسباري كافة الحركات المتزمتة في نظره , تلك الحركات الراديكالية التي كانت محضنا  للفكر المتطرف في الساحة الأوربية وهي( جماعة التبليغ, الديوبانديون, الإسلام الوهابي),ووصم الوهابية أنها الأشد راديكالية, لكنه لم يشر مطلقا  لأي تيار شيعي له وجود في أوربا الواسعة !!.
             ومن الطريف والمخجل أن الباحث المسباري عندما تحدث عن الشيخ الألباني في  كتاب ( السلفية الألبانية) وأراد الحديث عن (الفرق الهالكة) في نظر التيار الألباني , ذكر  من تلك الفرق( الإخوان المسلمون, جماعة التبليغ, حزب التحرير, السلفية الجهادية!!).
        الشيخ الألباني له العشرات من التقريرات  الجلية في كون الشيعة فرقة هالكة ومنحرفة عن أصول السنة , لماذا تغافل عنها الباحث المسباري !! ورصد فقط التيارات الأخرى!!.
         حتى تلك الحركات التي تحررت كثيرا في مواقفها وتقاطعت أحيانا مع الرؤية الليبرالية كحركة النهضة في تونس, كانت بالنسبة للروح المسبارية ( ذات نظر قصير وحماسة غير مؤطرة وضعف في الرؤية الاستشرافية) , كما في كتاب ( من قبضة بن علي إلى ثورة الياسمين), وفي مواضع أخرى ىصمها بأنها تراخت كثيرا حد التخادم مع التيار السلفي المتطرف التونسي.
          لكن المُدان الرئيسي دائما والمؤثر  في الخارطة الإسلامية كان هو التيار السلفي ,الذي يُصدر في حقه صك الاتهام تاماً  دون نقصان, ويذكر الباحث المسباري أسماء المتهمين اسماً  اسماً, و لايكتفي بالإدانة الإجمالية الباردة كما يفعل مع الآخرين, في دراسة ( كيف ينظر الإسلاميون لبعضهم ) ,اتهم الباحث المسباري العدد  الأكبر والأغلب من السلفية بالتطرف وجعل يذكر الأسماء بالتفصيل (  الشيخ ابن جبرين , العبيكان, علي الحذيفي, ناصر العمر), بينما لاتجد هذا التفصيل عند كلامه عن الشيعة.
          وعند حديثه عن لبنان مثلا, وعن القوى الفاعلة في الحراك اللبناني , تناول الباحث المسباري الشيخ (داعي الإسلام الشهال الشيخ السلفي الأكثر شهرة في لبنان )بالنقد والتجني والتوبيخ وأنه الراديكالي الأول لكنه لم يشر لزعيم حزب الله( حسن نصر الله) من قريب ولا بعيد .
          التيار السني بكل تمظهراته كان محل إدانة على طاولة الباحث المسباري، اللغة المسبارية البحثية اتفقت على تخوين التيار السني الواسع وتشويه حقيقته , وجعله عنصراً مباشراً في إفساد عدد من الملفات: (التعليم الديني ـ دور المرأة ـ التقريب بين المذاهب ـ الإرهاب والصراع - الإفتاء).
         ومن باب عقد مقارنة مختصرة ومحاولة لتقريب العدسة من حقيقة الأمر، سأسرد الآن جملة من القضايا التي كتبها الباحث المسباري وستكون منهج مقارنة بين الموقف السني والشيعي في أربعة محاور هامة.
 أولا:  محور التعليم الديني :
          في كتاب(صناعة المفتي), عندما ذكر الباحث المسباري في ورقة مستقلة التعليم الديني في الأزهر ساق بحثه في صيغة إدانة واستنكار وتثريب على تقليدية العقل الأزهري ,وتقليدية اللغة ,ونوعية الكتب, وصولاً إلى عملية انتقاء لمفردات وقعت عليها يد الباحث المسباري، فظل يُشهر بها، فمثلاً يذكر عن نماذج بعض الكتب المقررة أنه (قد يصاب المرء بالدهشة والحيرة، وهو يقرأ كتب الفقه المقررة على الطلاب بالمعاهد الأزهرية) ثم يصطاد مثالاً من  متن كتاب الروض المربع كقول المؤلف:(وأكثر مدة الحمل أربع سنين)، ثم فعل مثل ذلك المنهج مع كافة كتب المذاهب الفقهية الأخرى، وجعل يقول: (أن هذه المقولات والأحكام تخالف الاكتشافات العلمية) ويطالب الباحث المسباري بضرورة المراجعة والتجديد لكافة المنهج التعليمي الأزهري، ويرى أن كافة عمليات الإصلاح فشلت في تخليص الأزهر من نفقه المظلم، بينما عندما تكلم الباحث المسباري عن التعليم الديني الشيعي، وصف المنهجية التعليمية بصيغة تبجيلية خالية من اللوم والتقريع، ولم يمارس هواية انتقاء الأخطاء والشذوذات من بين أسطر الكتب الشيعية، بل على العكس ظل الباحث المسباري يمتدح خطوات الإصلاح والتطوير في أروقة التعليم الديني الشيعي ويرصد إنجازات المعممين الملحوظة ويصفها بلغة متفائلة حالمة وطموحة.
ثانياً: الموقف من المرأة:
           الباحث المسباري لم يكترث كثيراً لملامسة الحقيقة وهو يعالج ملف المرأة. في هذا الملف كان سقوطاً مذلاً لدعوى البحث العلمي، المرأة في الخطاب السلفي على سبيل المثال تنحصر أدوارها في الإنجاب والأمومة فقط. كما تقول ريتا فرج في كتاب(الفتوى في الخليج):
 (توتر العلاقة بين الإسلام الفقهي والانثوي أدى لاتساع الفجوة بين المرأة والدور الذي رسمه الفقهاء التقليديون أي دور الإنجاب والأمومة وتلبية حاجات الرجل الجنسية).
          وعندما درس الباحث المسباري مركز(باحثات) المتخصص في دراسات المرأة ضمن كتاب(نساء الخليج واليمن), ذكر أن (باحثات) مركز إخواني يعمل على التضييق على  عمل المرأة السعودية ,بمعاونة بعض الحركيات .
          بينما عندما أراد العقل المسباري الحديث عن نساء حركة حزب الله المجندات  في لبنان، ذكر أن المرأة الشيعية(تتجلى المكانة التي تحظى بها الحركة النسائية في الاستقلال المؤسسي، وعدم وجود عوائق شرعية تحول دون القيام بأدوار مختلفة في المجال العام) ضمن كتاب النسوية الإسلامية.
          هكذا يريد الباحث المسباري أن تكون المقارنة، مشاركة فاعلة وقوية في المجال العام للمرأة الشيعية المنخرطة في حركة عسكرية بينما في السعودية تكون المرأة مجرد جسد يقوم بتلبية حاجات الرجل الجنسية.
ثالثاً: التوغل الشيعي في الرقعة السنية:
             العقل المسباري يحتقن من تسمية التبشير والتمدد الشيعي في البلدان السنية بالاختراق، ويرفض تلك التسمية بل يطلق عليها مصطلح(النهضة الشيعية)ذكر ذلك في كتاب(الخارطة التونسية بعد الثورة), أثناء حديثه عن التمدد الشيعي داخل تونس، وفي كتابه عن إندونيسيا كذلك لم يأبه كثيراً للتبشير الشيعي داخل أكبر دولة سنية، حيث يرى الباحث أن الخطاب الشيعي الفكري سيقفز فوق الأيدلوجيات ,وسيمتلك قدرة عالية لاحتواء الأفكار المؤدلجة وسياستها العابرة للقارات وسيقدم قراءة ناضجة للمشهد الأندونسي.
رابعاً: أما عندما تناول المسباري ملف (الإرهاب وسوريا وحزب الله والروس) في أكثر من كتاب، وأكثر من موضع, ففي كتابه حزب الله، مهّد الباحث المسباري لنقده الهادئ بمقدمة عن الاتزان والموضوعية، تلك الموضوعية التي شنقت ومزقت أوصالها عند الحديث عن الجسد السني   ,قال:( حرص مركز المسبار وهو يقدم كتابه الخامس عشر عن حزب الله أن يقدم رؤية متوازنة لا تميل إلى هؤلاء وإلا هؤلاء), فلست أدري لماذا  اختص المركز حزب الله من دون كافة الحركات بالموضوعية والاتزان.
         النقد كان هادئاً ولطيفاً وخالياً من التهور والتشنج والقذف بالحجارة الغليظة، لكن في مواضع عديدة من نتاجه المسباري، لم يكن حزب الله سوى مقاومة شريفة انتصرت على إسرائيل ذات يوم، وأما الصراع في سوريا فهو ليس سوى صراع طائفي فقط اشتركت فيه العديد من الحركات الإرهابية.
          في كتابه عن الإرهاب، لم يكن حزب الله تحت الإدانة المسبارية، الإرهاب شمل عدد من الحركات وصولاً إلى (حزب الأمة الخليجي) الذي كان سبباً في الصراع السوري كما يدعي العقل المسباري، لكن حزب الله لم يكن أبداً سبباً في ذلك الصراع حتى داخل الأرض اللبنانية عندما يأتي الحديث عن الصراع الطائفي هنالك، يأتي الاتهام عنيفاً و حاسما نحو السنة، بينما ينال حزب الله غبار الاتهام من بعيد ويتحدث عن تطرف شيعي غير مسمى، لكن عندما تحدث عن السنة وصف الباحث المسباري (داعي الإسلام الشهال) بأنه راديكالي ويثير الفتنة ويتوهم الصراع.
 
              وفي ختام هذه القراءة اللاهثة التي ركضت في أروقة هذا المركز البحثي, محاولةً  رؤية الحقيقة المضمرة بين أسطر ذلك  الكم الهائل من النتاج المسباري , سيكتشف القارئ النابه أن العقل المسباري كان في قمة الدهاء وهو يباشر عملية التحيز في عمله البحثي لصالح الرؤية الشيعية -غالبا- حتى وهو يتحدث عن ظاهرة أهل السنة في إيران كان باحثا ذكيا لم يغفل عن ذكر تلك الانتهاكات الصفوية ضد أهل السنة في إيران , لكنه كان نقدا حقوقيا فحسب لم يشر للمجازر والإعدامات الهائلة التي يباشرها الصفويون ضد أهل السنة هناك , كان نقدا لطيفا يبحث فقط في حقوق أقلية لم تنل كما وافرا من العدل والمساواة والحريات .
 
         طالما ذكر الدكتور عبدالله النفيسي في كثير من حواراته أن "السنة هم الأمة والشيعة هم الأقلية", لكن مركز مسبار البحثي  قصد بسوء صنيعه أن يقلب تلك المعادلة فكأن الشيعة أضحوا هم الأمة وغيرهم هم الأقلية.
 

الاثنين، 22 فبراير 2016

كيفيَّة الردِّ على الأخطاء العلميَّة في التحقيق وغيره

كيفيَّة الردِّ على الأخطاء العلميَّة في التحقيق وغيره
 

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد:
فاحتمالُ الخطأ واردٌ...
وقد أخطأ بعض الفقهاء، وأوََّل بعضُ المفسرين، وصحَّفَ بعضُ المحدثين، ولحنَ بعضُ الخطباء، وتساهلَ بعضُ الوعاظِ والقُصَّاص...
فكان ماذا؟!
إنَّ الرجلَّ يستطيعُ أنْ يَمْلِكَ خصمَه بالحكمة، ويقدر أنْ يهزمه باللين، بشرطِ أنْ يُحْسِنَ إِعْمَالَ عقله فيما يأمر به قلمه ولسانه.
ولما كثر المحقِّقين في عصرنا، وكثرت المطابع، نتج عن ذلك كَثْرَتِ المطبوعات كثرةً جعلت الكتابَ الواحدَ يُطْبَعُ عشراتِ الطَّبعات في وقتٍ واحدٍ؛ وخُذْ مثالاً على ذلك ”رياض الصالحين”، و ”تفسير ابن كثير”، و ”بلوغ المرام”، و ”عمدة الحكام”...
فخرجَ إلى السوق العلميَّة الجيد والرديء، على تفاوتٍ في كل منهما.
فوجدنا العزيز النفيس، وما هو دونه بقليل.
وتألمنا لرؤية الرديء بأيدي العابثين بتراث قومهم.
فكان الكلام على هذين الجانبين لزامًا على الغيورين؛ فللجيّد الشكرُ والثناءُ، وللرديء النصحُ والتنبيهُ.
وقد اطلعت على عدةِ مقالاتٍ، وأبحاثٍ، وكُتُبٍ في نقدِ أعمالِ المحقِّقين، وطلاب العلم، والدعاة، متفاوتةٌ في النقد.
فمنهم: الفاضل المتأدب، والذي يعطي كل ذي حقٍ حقه.
ومنهم غير ذلك...
وقد هالتني بعض الكتابات، والتي كُتِبَت لبيان أوهام المحقِّقين، أو مخالفة لبعض آراء العلماء، وطلاب العلم، أو تحفظ على ما صدر عن بعض الدعاة، ووجدت في هذه الكتابات: محوًا للحسنات، ونشرًا للسيئات، ونبزًا بالألقاب، واستهزاءً بالأعيان، وتحقيرًا لذوي الفضل.
وإنَّك ـ والله العظيم ـ لتشم من بعضها رائحة الحسد، والحقد، والبغض، وتشعر أنَّ بين النَّاقد والمُنْتَقَد أمورًا دخل فيها اللعين.
فتجد المبالغة في النقد، والتجريح، والضغط على كلام الخصم، ليَحْتَمِلَ ما لا يُحْتَمَل، ومن ثمَّ الكلام على المعنى الْمُحْتَمل بالظن، ليُؤخذ المُنْتَقَد بجريرة ما احْتُمِل من كلامه، بل تجد النقدَ فيما يحتمل كونه خطأً مطبعيًّا، ورمي المخالف بالظن، واتهامه في أعماله القلبية، وتجد جرأةً غريبة، وسرعة عجيبة في تصنيفه، وإخراجه من دائرة ”أهل السنة والجماعة”، وإدخال جملٍ اعتراضيَّة أثناء النقد، لا دخل لها في النقد نفسه، ولا تمت للمُنْتَقِد بصلة، ولا غرض لها سوى التشويش.
وهذا كلامٌ لا مبالغة فيه، ويلمسه من يقرأ في مقدمات بعض المحقِّقين المعاصرين، وبعض الكتب، والبحوث، والرسائل المعاصرة، هدانا الله وإياهم.
حتى إنَّ بعضهم صار يعرض بخصومه في كل كتابٍ يكتبه، ولو كان الأمرُ بعيدًا عن ذكر المخالف.
وفي الآونة الأخيرة حقَّق أحدهم كتابًا، وفي مقدمة التحقيق عرَّض ببعض العلماء، وذكر أمورًا لا شأن لها بالكتاب المُحَقَّق، ولا بالمؤلِّف، ولكن هكذا أراد سامحه الله. وقد أُخِذَت عليه هذه الفعلة، حتى قال أحد الأفاضل: لعلَّه ما حقَّق هذا الكتاب، ولا قدَّم له؛ إلا ليجعل ذلك وسيلة من خلالها يبث فكره، ويشفي صدره.
وقد اشتهرَ نفرٌ بهذه الصفةِ الرديئةِ، حتى أصبحت بضاعتَهُم التي عُرِفُوا بها(1).
ووافق ذلك تيارٌ لبعضِ قاصري النظر، همهم متابعة سَقَطَات الناس، يفرحون بكلِّ زلةٍ ونقدٍ، ويطير عقل أحدهم إذا علم بأنَّ فلانًا أخطأ في تحقيق كتابٍ، أو سرقَ كتابًا فَكُشِفَ أمره(2)، أو داعية زل لسانه، وخانه تعبيره، أو عالمًا قال كلامًا يحتمل أمرين (قد يكون) الآخر منهما سيئًا؛ فتجدهم يبحثون بهمة عن هذه السقطات (وبعضها موهوم)، ويُسَرعون في اقتناء الكتب المحتوية على الردود، ويشترون كلَّ ردٍ، ولو كان غثًّا، ولو زرت مكتب أحدهم لوجدتها عامرةٌ بكتبِ ”الردود”، خالية من بعض المراجع الأصيلة في العلم الموصل إلى ”الجنة”.
وخرجت علينا الشبكة اللعينة ”الإنترنت”، فساهمت في نشر هذه الردود، وإثراء مادتها، فـ ”أزداد الطين بلة”.
والغريب أنَّك تجد أغلب هذه الردود مختومة بأسماء مستعارة، مركبة من كنية ولقب (3).
فمن هو صاحب هذا الرد، أو ذاك؟
هل هو من العلماء العارفين؟ فنقبل قوله، ونسلم له.
أو هو من طلاب العلم المطَّلِعين؟ فنستفد من كلامه، ونناقشه فيه.
أو من المبتدئين المتعالمين؟ فنعرض عنه؛ لعدم كفاءته.
أو من الشباب الولعين بتتبع الزلات؟ فننصح بعدم قراءته؛ لرداءة منهجه.
أسئلةٌ ليس لها جواب، ولكنَّ الردَّ أمامك، وما عليك إلا أخذه أو تركه.
واشتهرت مواقع بذلك، فأصبح همَّها تربية طلاب العلم على النقد والتجريح في المحقِّقين والمؤلفين، والعلماء وطلاب العلم والدعاة، وتجد في كتاباتهم التحامل الشديد في النقد، بأسلوبٍ لاذعٍ، مبني على تجريد الشخصيَّة العلميَّة (المُنْتَقَدَة) من كلِّ الصفات العلميَّة، لأجل أخطاء معدودة (بعضها موهوم)، فلم يسلمْ منهم أحد.
والغريب أنَّ كل هذه المهاترات تأتي باسم النقد العلمي، والدفاع عن المنهج السلفي، وقد يكون لتصفية الحسابات الشخصية أوفر النصيب من هذه الردود.
فأقول لإخواني المشتغلين بالنقد، وللمشرفين على هذه المواقع والمنتديات:
اتقوا الله في أعرض المسلمين، وأعلموا أنَّكم ستقفون بين يدي الله ـ تعالى ـ يوم القيامة، وستحاسبون على ما خطت أيديكم، وما أذنتم بنشره.
وأرجو منكم ـ معاشر الأخوة ـ أنْ تحسنوا بي الظن حول هذه المسألة.
فأنا لا أمنع الجرح والتعديل، ولا أمنع النقدَ العلمي الهادف، ولا أمنع ـ كذلك ـ من ”الرد على المخالف”؛ فهذا ”من أصول الإسلام”.
ولكن أمنع ـ بل أحارب ـ التجريح المبني على التشفّي، ودون مراعاة الجوانب العلميّة والسلوكيّة أثناء الرد.
أمنع النقد والرّد الذي ينسف كل الحسنات.
كما أمنع المسامحة التي تغض الطرف عن الأخطاء العلميّة، ولا سيما ما يتعلق بمخالفة المنهج السلفي، بعد المناصحة، ونصب الدليل، وإقامة الحجة، والله المستعان.
وفقه الله الجميع لما يحبه ويرضاه...
ـــــــــــــــ
الهوامش:
(1)
ولهؤلاء ـ المُنْتَقِدين ـ أوهامٌ في كتبهم عجيبة، لو تصدى لجمعها أحد الفارغين والعاشقين لمثل هذه الأمور، لصدرت في كتابٍ يشفي قلوبَ من تكلَّموا فيهم، وجرحوهم، و اتهموهم بالباطل.
(2)
وهذا يتضمن الفرحَ بوجود الخطأ، والمعصية، وصدورها من مسلم؛ فتأمَّل.
(3)
وبعضها مستعارٌ من أسماء وألقاب أئمة السلف؛ كـ: أبي بكر، أبي حفص، أبي العباس، ابن الجوزي، ابن القيّم، المهاجر، الأنصاري، السَّلفي، الأثري، البربهاري...
وفي ذلك تزكية لنفسه، وليتهم لمَّا فعلوا هذا تأدبوا بأدبِ من استعاروا اسمه.
ومن غريب ما وقفت عليه من الاستعارات ما يفعله بعضهم من الانتساب ـ كذبًا ـ إلى القبائل العربية الحرة، وهو لا يدرى مَنْ هو جَدُّهُ الرَّابع.
 
عبدالله بن محمد، الحوالي، الشمراني
 
 

الخميس، 4 فبراير 2016

منهج المستشرق "توماس آرنولد" في كتابه "الدعوة إلى الإسلام"



منهج المستشرق "توماس آرنولد"
في كتابه
"الدعوة إلى الإسلام"
إعداد الطالب:
فهد عبد القادر عبد الله الهتار

بسم الله الرحمن الرحيم
 
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وعلى آله وأصحابه أجمعين وبعد:
فهذا تقرير –  موجز - عن منهج توماس آرنولد في كتابه " الدعوة إلى الإسلام"، يتضمن ما يأتي :-
أولاً: بيانات أساسية عن الكتاب.
ثانياً: التعريف بالمؤلف.
ثالثاً: دوافع تأليف الكتاب.
رابعاً : موضوعات الكتاب.
خامساً : منهج المؤلف في الكتاب.
سادساً : دراسات وبحوث عن الكتاب.
سابعاً : أخطاء  وملاحظات في الكتاب.
 
أولاً : بيانات أساسية عن الكتاب : -
اسم الكتاب: " الدعوة إلى الإسلام : بحث في تاريخ نشر العقيدة الإسلامية " .. كتب في طبعته الأولى باللغة الإنجليزية
اسم المؤلف: سير توماس . و. آرنولد .
ترجمة وتعليق :  د. حسن إبراهيم حسن        د. عبد المجيد عابدين      د. إسماعيل النحراوي.
الناشر: مكتبة النهضة المصرية ، الطبعة الثالثة : 1971م.
الصفحات :   521 ص.
 
ثانياً : التعريف بالمؤلف :-
اسمه وسيرته العلمية والمهنية :-( توماس وولكر آرنولدSir Thomas Walker Arnold ء (1864م-1930م)
ولد سير توماس . و. آرنولد . في إنجلترة في 19 أبريل سنة 1864م ، وتعلم أولاً في مدرسة بلايموث الثانوية ، ومن ثم انتقل في سنة 1880م للدراسة في مدرسة (مدينة لندن ) ، ثم التحق بكلية المجدلية في جامعة كمبردج في سنة 1882م ، حيث اجتذبته الدراسات الشرقية تحت تأثير إدورد بيلس كورل ، ووليم روبرتسون اسمث ، وبعد أن أنجز بنجاح دراسته في الكلاسيكيات أمضى السنة الرابعة في كمبردج – أيضاً – متوفرا على دراسة تاريخ الإسلام .
وانتقل للعمل باحثاً في جامعة علي كرا (عليكرا) في الهند حيث أمضى هناك عشر سنوات (1888- 1898م)، بعدها ترك آرنولد العمل في الهند في سنة 1904م ، وعاد إلى لندن حيث شغل منصب نائب مدير المكتبة في " الديوان الهندي" في لندن ، وهو مركز إداري يمثل إدارة مستعمرة الهند آنذاك ، وفي نفس الوقت كان يقوم بتدريس اللغة العربية في الكلية الجامعية ( أقدم جامعة في جامعة لندن ).
وأنشئ في سنة 1909م منصب المستشار التربوي للطلبة الهنود في إنجلترة ، فتولى أعباء هذا المنصب بإخلاص، وتقديراً لهذه الخدمات التي أسداها إلى تعليم الهنود في إنجلترة  منح لقب ( c.i.e) في سنة 1912م ، ورتبة فارس في سنة 1921م عقب إحالته إلى التقاعد في نهاية 1920م .
ولما أسست " مدرسة الدراسات الشرقية " في جامعة لندن في سنة 1917م ، دعي آرنولد للتدريس فيها، وكان أول من شعل كرسي اللغة العربية والدراسات الإسلامية كلها، واستمر يعمل على تكوين وتثبيت دعائم قسم اللغة العربية والدراسات الإسلامية في تلك المدرسة حتى استوى هذا القسم وصار من المراكز الرئيسة للدراسات العربية والإسلامية.
وفي أوائل سنة 1930م دعته الجامعة المصرية (جامعة القاهرة الآن) أستاذاً زائراً، وبعد أن أمضى النصف الثاني من العام الجامعي 1929- 1930م في التدريس بقسم التاريخ في الجامعة المصرية عاد إلى لندن في 25 مايو سنة 1930م ، لكنه ما لبث أن توفي في 9يونيو سنة 1930م، وهو في منزلة في كنسنجتون، إثر نوبة قلبية مفاجئة ، وهو في السادسة والستين من عمره .
وفي السنوات الأخيرة من حياته منح ألقاباً تشريفية كثيرة منها: زميل شرفي لكلية المجدلية في كمبردج سنة 1917م ، والدكتوراه الفخرية من جامعة براج (تشيكوسلوفاكيا)، كما انتخب عضواً في الأكاديمية البريطانية ، وهي أعلى هيئة علمية في بريطانيا وذلك في سنة 1926م ([1]).
إنتاجه العلمي  واهتماهه بالدراسات العربية والإسلامية:-
كان لانشغال آرنولد بالأعمال الإدارية أثر في قلة إنتاجه العلمي ، حتى إن كتابه :"الدعوة الإسلامية" ظل حتى سنة 1920م ، أي وهو في السادسو والخمسين من عمره، الإنتاج العلمي الوحيد ذا القيمة، وقد أعيد طبعه في سنة 1913م في طبعة موسعة ومنقحة، وترجم إلى اللغتين الأوردية والتركية، كما ترجم في الأربعينيات إلى اللغة العربية.
وألف وهو لا يزال في الهند كتيباً صغيراً عن " المعتزلة " (سنة 1902م) ليس بذي قيمة علمية تذكر.
وبمناسبة زوال الخلافة في سنة 1924م ألّف توماس آرنولد كتاباً بعنوان :"الخلافة"، تتبع فيه تاريخ منصب الخلافة في الإسلام منذ الخلفاء الراشدين حتى إلغاء الخلافة سنة 1924م  على يد كمال أتاتورك، وعقب على ذلك بتلخيص لهذا الكتاب في كتيب صغير جداً بعنوان:"الدين الإسلامي" (سنة 1928م) قصد به إلى الجمهور.
وكتب مادتي:"الاضطهاد" و " التسامح" في الإسلام، وذلك في " موسوعة الدين والأخلاق"
وأداه ذلك إلى التفكير في كتابة كتاب موسع عن التسامح في الإسلام لكنه لم ينجز هذا المشروع.
وكتب عدة مقالات تتعلق خصوصاً بالهند الإسلامية في " دائرة المعارف الإسلامية" التي صار هو من هيئة مصدري الطبعة الإنجليزية لها ابتداءً من سنة 1910م.
وثمة جانب آخر في اهتمامات أرنولد ، وهو تاريخ التصوير في الإسلام، وفي هذا المجال اشترك الشاعر والناقد الفني لورنس بنيون ( وهو أول محاضر عام  باللغة الإنجليزية استمعتُ إليه في قاعة الجمعية الجغرافية بالقاهرة في أواخر سنة 1934م ؛ إذ ألقى فيها 5 محاضرات عن الفن، وألقى بعض قصائده) في وضع مجلد بعنوان: " الرسامون في بلاط المُغل الكبار" (سنة 1921م)، وتوج كتاباته عن التصوير عند المسلمين بدراسة عميقة بعنوان:" التصوير في الإسلام"(سنة 1928م) عني فيه ببحث القواعد الفنية للرسم عند الرسامين المسلمين، ولخص آراءه ضمن كتاب عام بعنوان:"الكتاب الإسلامي"(سنة1929م)، شارك فيه المستشرق النمساوي أدولف جورهمان المختص في أوراق البردي وفي تاريخ الفنون الإسلامية.
وآخر ما كتبه في تاريخ الفن الإسلامي هو دراسة عن :"بهزاد ورسومه في محطوط ظفرنامه"( سنة 1930م) يم المحاضرات التي ألقاها في سنة 1928م عن العهدين القديم والجديد في الفنون الدينية الإسلامية ، وقد نشر بعد وفاته في سنة 1932م ([2]).
ثالثا : دوافع تأليف كتاب:( الدعوة إلى الإسلام ):-
  نستطيع أن نقف على الدوافع والأهداف التي تقف من وراء تأليف آرنولد لكتابه : ( الدعوة إلى الإسلام ) من خلال معرفة الظروف والبيئة الزمانية والمكانية التي سبقت ورافقت تأليف هذا الكتاب ، بيان ذلك كالآتي:-
نظراً لاهتمام آرنولد  بالدراسات الإسلامية فقد اختير  لتدريس الفلسفة في كلية عليكرة الإسلامية في المقاطعات المتحدة بشمالي الهند ، وأمضى في كلية عليكرة عشر سنوات(1888- 1898م)،وهي فترة كانت ذات تأثير بالغ في تشكيل نظرات توماس آرنولد للإسلام .
إن كلية عليكرة – وهي جامعة إسلامية كبيرة في الهند – قد أسسها سيد أحمد خان  بهدف إصلاح الإسلام عن طريق الجمع بين الثقافة الإسلامية والفكر العلمي المنهجي في أوربا، وشارك آرنولد في هذه التجربة التوفيقية بين الإسلام والفكر الأوربي الحديث بحماسة شديدة ، وراح يكّون تلاميذ من الإنجليز والهنود مشبعين بهذا الاتجاه ، وفي سبيل ذلك راح يلبس الملابس الإسلامية المعتادة لدى المسلمين الهنود ، وألّف داخل كلية عليكرة جمعية تدعة" أنجُمن انعْرض" (أي جمعية الواجب) ، وصار أعضاؤها يهدفون إلى تجديد الإسلام على الأساس المذكور، أي الجمع بين الثقافة الإسلامية والفكر الأوربي الحديث ،وبهذه الروح ألف أول كتبه المهمة ، وهو كتاب:" الدعوة إلى الإسلام " (سنة 1896م) .
في سنة 1898م عين أستاذاً للفلسفة في الكلية الحكومية في مدينة لاهور ، وقد صارت فيما بعد : جامعة لاهور، وكان أبرز من تتلمذوا عليه في هذه الكلية هو الشاعر العظيم محمد إقبال اللاهوري صاحب فكرة إنشاء دولة مستقلة للمسلمين الهنود باسم : باكستان ، وهي دولة باكستان التي أُسست في 15 أغسطس سنة 1947م بعد إعلان استقلال الهند مقسمة إلى دولتين : الهند، وباكستان..([3]) .
-إذن- كان الدافع الأساسي لتأليف كتاب " الدعوة إلى الإسلام" هو دافع لفكرة ( تجديد الدين للجمع بينه وبين الفكر الأوربي الحديث) تحمس لها  توماس آرنولد كثيراً  أملتها الظروف الحرجة للهند في تلك الفترة يوم أن كانت ترزح تحت الإحتلال البريطاني وما يتبع ذلك من الهيمنة الثقافية والسياسية ، ومقاومة من يقاومها بالفكر والثقافة الغربية ، ولما كانت الثقافة الغربية تتقاطع مع الثقافة الإسلامية في كثير من القضايا ؛ انطلقت دعوات التجديد والإصلاح الديني من المسلمين والمستشرقين ؛ من أجل التوفيق بين الدين الإسلامي والثقافة الغربية ..فكان من وسائل ذلك الكتابات والمقالات المدعمة لهذه الفكرة ، ومن رحم هذه الفكرة ولدت أول مؤلفات آرنولد " الدعوة إلى الإسلام " ، ولعل موضوعات الكتاب تؤكد ذلك وتدعمه ، وهذا ما نبينه في الفقرة الآتية :-
رابعاً: موضوعات الكتاب :-
يتألف الكتاب من ثلاثة عشر باباً ، وخاتمة ، نوجزها بالشكل الآتي:-

 
 

 

والملاحظ : أن موضوعات الكتاب – في الحقيقة – تخدم الهدف والغرض من تأليفه ؛ ذلك الهدف المتمثل بـ : الجمع بين الدين الإسلامي والفكر الأوربي الحديث؛ درءاً للتعارض بين الدين الإسلامي والفكر الأوربي ؛ فجاء كتاب " الدعوة إلى الإسلام " متناغماً مع موضوعاته التي تخدم ذلك الغرض ..حيث كانت الموضوع الأساس للكتاب: قضية انتشار الإسلام عبر التأريخ بدأ من الداعية الأول رسول الإسلام محمد صلى الله عليه وسلم  مروراً بانتشاره أيام الخلافة الراشدة وما بعدها من فترات الفتوحات الإسلامية ، مركزاً فيها على قضية التسامح الديني في ذلك الانتشار،وهو ما يشير إليه آرنولد في كتابه في معرض حديثه عن التسامح الديني للمسلمين معرضاً عن الاضطهادات التي حصلت من آحاد المسلمين([4])  والقارئ الحاذق يشم  من كلام آرنولد عن التسامح الديني في الانتشار الإسلامي  رائحة إماتة الروح الجهادية عند المسلمين ، مبرهناً بزعمه على أن الإسلام لم ينتشر بالسيف ، وإنما انتشر بالدعوة السلمية المتبرئة من كل قوة .
 
 
 
 
خامساً : منهج المؤلف في الكتاب:-
 من خلال  الاستقراء والتتبع لكتاب " الدعوة إلى الإسلام " نلحظ أن مؤلفه اتبع  منهجاً معيناً سار عليه في كتابه نوجز ذلك بما يأتي:-
أولاً : اتخذ المؤلف المنهج التاريخي والمنهج الوصفي في سرد أحداث الدعوة الإسلامية عبر فترات تاريخ الفتوحات الإسلامية المختلفة بالتدريج من العهد النبوي  وما بعدها .. مركزاً فيها المؤلف على قضية التسامح الديني الإسلامي في تمدده وانتشاره في الجزيرة العربية وخارجها .
ثانياً : أخذ المؤلف بالمنهج المقارن ؛ حيث كان يقارن بين وسائل الفتوحات الإسلامية ، القائمة على التسامح واللين  ووسائل نشر المسيحية التي كانت تنتهج العنف خاصة في العصر الحديث ، كما حصل – مثلاً من الملك أولاف الذي أجبر أهالي "فيكن " ( القسم الجنوبي من النرويج ) على الدخول في المسيحية من خلال تقطيع الأيدي والأرجل والنفي والتشريد ، وبهذه الوسائل استطاع الملك أولاف نشر الدين المسيحي في فيكن بأسرها([5]) ؛ والمؤلف من يرمي من وراء ذلك شيئاً خطيراً
وهو إثبات أن الإسلام انتشر في البلاد المسيحية بسبب أخطاء رجال الدين المسيحي....
ثالثاً: كثيراً ما كان يستعمل المصطلحات والألفاظ التي تتسم بالجدل بين الإسلاميين من حيث جواز استعمالها والأخذ بمضمونها..ومن ذلك – مثلاً – مصطلح " القومية " والتي يجعلها علماً على رأس فترات التاريخ الإسلامي في عهد النبي – صلى الله عليه وسلم – ؛ حيث نجد المؤلف يصف موضوع  " الهجرة إلى المدينة " بعنوان بارز: بداية الحياة القومية للإسلام([6])  ، وكذلك  في خاتمة كتابه وهو يعدد – عوامل نجاح الدعوة الإسلامية  – يطلق على الدعوة السلفية مصطلح (الوهابية ) التقليدية العدائية للغرب ، في مقابل الدعوة إلى حركة حداثية تنسجم مع الغرب ولا تعاديه والتي أطلق عليها لقب" حركة الوحدة الإسلامية" التي تسعى إلى ربط جميع شعوب العالم الإسلامي برباط مشترك من المودة والتعاطف...([7])
رابعاً: أكثر المؤلف من الاستشهاد بالآيات القرآنية التي تدل على سماحة الإسلام ، وعن العفو والصفح الجميل من خلال سرد الآيات القرآنية معزوه برقم السور مع الآيات ، وغض الطرف عن آيات الجهاد ..
خامساً : يدعي المؤلف أنه  يحاول الحيادية في الكتاب إذ يقول: " ومع أن هذا المؤلف – وهذا أمر مسلم به كما يتضح في التمهيد- عبارة عن سجل لجهود نشر الدعوة ، وليس تاريحاً للاضطهاد، حاولت أن أكون غير متحيز البتة "([8]) ، ومع وجود كثير من الإنصاف والعدل في هذا الكتاب ، إلا أنه لم يسلم من التحيز والدفاع عن فكرة مسبقة تبناها المؤلف من البداية .. كما سبق ذكر ذلك .
سادساً:  اعتمد المؤلف على مراجع ومصادر عربية وفارسية وغربية، واعتمد كثيراً على مستشرقين ورجع إليهم في كل ما أشكل عليه فهمه، كما صرح بذلك في تقديمه لكتابه ([9]) ، ومن خلال استقرائي لمراجعه ومصادره لكتابه وجدت الآتي :-
أولاً: قلة المصادر العربية مقارنة بالمصادر الأجنبية والاستشراقية ، فكاد أن تنحصر كتبه العربية  التي اعتمد عليها على بعض الكتب في السيرة والتاريخ ، وتحديداً : سيرة ابن هشام ، وسيرة ابن إسحاق ، وتاريخ الطبري ،والمسعودي  مع العلم أنه كان يشير إليها إشارات مختصرة جداً ، وغالب المراجع أجنبية استشراقية ، ولعل نظرة عابرة لحواشي كتابه تعزز ما ذكرنا.
ثانياً : يذكر المؤلف أنه لاقى صعوبة في جمع مصادر الكتاب ([10]) .
ثالثاً : يحاول المؤلف أن يضفي على بعض المراجع الاستشراقية نوعاً من الهالة والتضخيم كدعاية وتسويق للمؤلفات الاستشراقية في الدراسات العربية ، ومن ذلك – مثلاً-   ادعاؤه في قضية –الردة والمرتدين بعد وفاة الرسول – بأنه لم يجد بحثاً – في تلك القضية  أكثر شمولا،  وأعظم قيمة مما كتبه أستاذه جولد تسيهر([11]) .
سادساً : دراسات وبحوث عن الكتاب:-
استفرغت وسعي ، وبذلت جهدي في البحث عن دراسات وأبحاث سابقة عن توماس آرنولد وكتابه " الدعوة إلى الإسلام " ، فلم أقف إلا  على دراسة واحدة بعنوان : "دراسة نقدية لكتاب : الدعوة إلى الإسلام " عبارة عن رسالة ماجستير  في الدعوة من المعهد العالي للدعوة الإسلامية بالمدينة المنورة للباحث محمود حمزة عزوني ، تحت إشراف : الدكتور : إبراهيم عكاشة ، ومن أهم ما توصل إليه الباحث – في ضوء نقده للكتاب- أنه " بالرغم من شهرة آرنولد بأنه من المستشرقين المعتدلين فإن البحث الدقيق في كتاباته تدل على أنه يشارك غيره من المستشرقين في الطعن في الإسلام بأسلوب هادئ وبخاصة في كتابه الخلافة وفي كتابه الدعوة إلى الإسلام ..([12]) .
أما المقالات والمناقشات على الكتاب فقد وقفت على بعضها في صفحات بعض المواقع الإسلامية على شبكة الانترنت
منها المادح ومنها القادح في الكتاب ، وغالبها لا يخلو من شطط ، وتعميم  وتعجل في سرعة  إصدار الأحكام على عواهنها من غير تمحيص  أو تدقيق ، مع ما يرافق ذلك  القسوة في الكلام من خلال التجريح والتشنيع ([13]) .
 
سابعاً : أخطاء وملاحظات عامة عن الكتاب :-
لعلي أشرت إلى  كثير من الأخطاء الموجودة في الكتاب ، لاسيما في الحديث عن منهج المؤلف في تأليف هذا الكتاب من مثل :
ý     إسقاط المصطلحات الغربية على التاريخ الإسلامي كالقومية التي تتنافى وعالمية الدين .
ý     التمجيد والتفخيم لكتابات المستشرقين .
ý     النظر للقرآن الكريم من زاوية واحدة ، واختيار ما يناسب فكرة الباحث ، وغض الطرف عن الآيات الآخرى في ذات السياق والمعنى، كما فعل بالاستشهاد بآيات العفو والتسامح وعدم الإكراه، في معزل عن آيات الجهاد.
نضيف إلى ما سبق الملاحظات والأخطاء الآتية:-
أولاً : الزعم بأن الرسول صلى الله عليه وسلم تحمل مشاق الدعوة مكرها بعد صراع نفسي ، ولم يكن عن قناعة سابقة ، وفي ذلك يقول آرنولد – في سياق حديثه عن حياة محمد باعتباره داعية إلى الإسلام – في الباب الثاني- : " ولما اقتنع محمد آخر الأمر، بعد قلق نزاع نفسي طويل بأنه مكلف حمل رسالة دينية من قبل الله، وجه أول جهوده إلى إقناع قومه بصدق الدين الجديد"([14]) .
ثانياً: إطلاق بعض الأحكام العامة دون التحقق والتفصيل فيها، ولعل أبرز مثال على ذلك ، ما ذكره المؤلف من ظلم السنيين لعلي وأولاده ( بهذا النص )([15]) ... ظلم السنيين لعلي وأولاده ، مما يشعر القارئ بأن الاتجاه السني عامة لديه مشكلة مع الإمام علي بن أبي طالب وأولاده ، وفي هذا التعميم من الخطأ ما لا يحتاج إلى بيان أو رد.
ثالثاً: الزعم بأن الإسلام انتشر ببطء شديد في البلاد المسيحية بسبب تساهل الكنيسة وانحلالها... ويفهم من وراء ذلك ،  أن هذا الانتشار البطيء لم يكن لولا ذلك التقاعس والتساهل .. وكأن الإسلام ليس له من عناصر القوة والتأثير ما يمكنه من الانتشار سواء تساهلت الكنيسة أم لم تتساهل.
هذه كانت لمحة – مقتضبة- عن منهج توماس آرنولد في كتابه " الدعوة إلى الإسلام " ، لا أدعي فيها الكمال ، وهذا مني جهد مقل ..
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
 
 
 
 
 
 

 

([1])  بدوي : عبد الرحمن ، موسوعة المستشرقين (دار العلم للملايين ، بيروت – لبنان ، ط:3 ، 1999م )،ص9-10.
([2])  يُنظر: بدوي : موسوعة المستشرقين ،ص9.
([3])  يُنظر: بدوي : موسوعة المستشرقين ،ص9.
([4])  يُنظر: آرنولد : الدعوة إلى الإسلام ، ص30.
([5])  يُنظر:آرنولد : الدعوة إلى الإسلام، ص32.
([6]) ينظر: آرنولد: الدعوة إلى الإسلام ، ص47.
([7]) يُنظر: آرنولد : الدعوة إلى الإسلام، ص468.
([8])  آرنولد :  الدعوة إلى الإسلام ، مقدمة الطبعة الأولى ،  ، ص10
([9]) يُنظر: آرنولد : الدعوة إلى الإسلام ، مقدمة المؤلف ، الطبعة الأولى ، ص10 – 11.
([10]) يُنظر: مقدمة المؤلف ، الطبعة الأولى ، ص9.
([11])  يُنظر: آرنولد : الدعوة إلى الإسلام ، ص61.
([12])  لم أستطع الحصول على الرسالة ، وحاصل ما وقفت عليه المقدمة للرسالة ومعلومات أساسية عنها في مركز المدينة المنورة لدراسة وبحوث الاستشراق على شبكة الانترنت : http://www.madinacenter.com/post.php?DataID=266
([13])  ولعل كثير من صفحات الانترنت تحكي تباين وجهات نظر المادحين والقادحين في قضية كتاب " الدعوة إلى الإسلام".
([14])  أرنولد: الدعوة إلى الإسلام ، ص34.
([15]) يُنظر، آرنولد : الدعوة إلى الإسلام، ص241.