الأربعاء، 26 مارس 2014

كثرة النقد وقلة العمل


قضايا دعوية
من أمراضنا الاجتماعية :
كثرة النقد وقلة العمل
هشام بن عبد القادر آل عقدة
من أمراضنا الاجتماعية الذميمة : حب النقد مع ترك العمل ، وقد فشت هذه
الظاهرة المَرَضية في مختلف طبقات المجتمع ؛ فلا يختص بها المثقف دون الأمي ،
ولا الأمي دون المثقف ، ولا يختص بها الذين ينتسبون للدعوة دون من لا ينتسبون
إليها ، بل هي سمة في مجتمعاتنا بمختلف فئاتها .
ويكاد الكثير في مجتمعاتنا ألاَّ يسمعوا بعالم من العلماء أو بداعية من الدعاة أو
بمجاهد من المجاهدين أو بخطيب من الخطباء أو برجل بذل ما بوسعه لنصرة
الإسلام أو اجتهد اجتهاداً معيناً لخدمة الدين ، يكادون ألا يسمعوا بشيء من ذلك حتى
ينصِّب بعضهم من نفسه مفتياً وهو على أريكته أو في منتداه أو في مقهاه ليتناول
هؤلاء العاملين بالنقد والحديث مستعلياً ومتعالماً ومتفاصحاً ومتعاظماً ومستهزئاً ،
ويملأ شدقيه بالكلام ويتفيهق ويتفلسف ويتشبع بما لم يُعط ، ولكن هيهات أن يعمل
أو يتحرك !
أقلوا اللَّوم عليهم لا أبا لأبيكم      أو سدُّوا من الخلل مثل الذي سدّوا
صابرون ومساكين هؤلاء الذين يعملون ويبذلون في مجتمعاتنا ؛ أولئك الذين
ينقذون المواقف ويأخذون بزمام المبادرة حين يتخلف الكسالى سواء كانوا من
القادرين أو غير القادرين .
قد تجد قوماً لا يجدون لهم إماماً يصلي بهم ، ويهرب الجميع من ذلك ضعفاً
وعجزاً لا ورعاً ، فإذا ما اضطر أحدهم للتقدم إذ لا بد من هذا تحول الهاربون إلى
علماء نقَّاد ، وذاق الإمام من ألسنتهم الأمرّين ، أو لا يجدون لهم خطيباً فإذا اضطر
أحدهم إنقاذاً لعبادتهم من التعطيل فبادر لأداء الخطبة صار الباقون على الفور أهل
علم بالخطابة وكيف تكون وكيف تؤدى ، وإذا نكص الناس عن الدعوة والتعليم
والإرشاد والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والجهاد في سبيل الله فقام دعاة
يؤدون ما بوسعهم تناولتهم الألسن ولاكتهم مع قلة الناصر والمعين لهم من الخَلْق ،
هكذا حالنا ! لا نريد أن نكون في الميدان ولكن نحب أن ننظر من خلف الزجاج ،
ثم نعلق وننقد ونحلل ! يثقل علينا أن نكون في ساحة العمل والبذل والعطاء ولكن
نشتهي أن نشرف من وراء المكاتب ! نريد أن ننقد ولا نريد أن نعمل !
فأين ذهب الذين يتكلمون بأفعالهم لا بألسنتهم وأقلامهم ؟
نريد أولئك الذين تتكلم أعمالهم وبذلهم وعَرَقُهم ودماؤهم لا الثرثارين
المتشدقين المتفلسفين المتقمصين من الأدوار ما ليس لهم .
روى الترمذي بسند حسن عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله
عليه وسلم قال : « من تحلَّى بما لم يُعْطَ كان كلابس ثوبَيْ زور » [1] .
وروى الترمذي أيضاً بسند صحيح عن جابر رضي الله عنه أن رسول الله
صلى الله عليه وسلم قال : « إن من أحبِّكم إليَّ وأقربكم مني مجلساً يوم القيامة
أحاسنكم أخلاقاً ، وإن أبغضكم إليَّ وأبعدكم مني مجلساً يوم القيامة الثرثارون
والمتشدقون والمتفيهقون » . قالوا : يا رسول الله ! قد علمنا الثرثارين والمتشدقين
فما المتفيهقون ؟ قال : « المتكبرون » [2] .
ورسول الله صلى الله عليه وسلم في تفسيره المتفيهقين بالمتكبرين يعطينا
خلاصة حال هؤلاء والدافع إلى تفيهقهم وتشدقهم وتكلفهم ألا وهو ما في قلوبهم من
الكبر ، وإلا فالمتفيهقون في اللغة هم الذين يتوسعون في الكلام ويفتحون به أفواههم ،
وهو مأخوذ من الفهق وهو الامتلاء والاتساع ؛ فالمتفيهق يملأ فمه بالكلام ويتوسع
فيه إظهاراً لفصاحته وفضله واستعلاء على غيره ، ولهذا فسر النبي صلى الله عليه
وسلم المتفيهق بالمتكبر ، والمتفيهق بمعنى المتشدق ؛ فالمتشدق هو المتكلم بملء
شدقيه تفاصحاً وتعظيماً لكلامه ، وقيل : المتشدقون هم المتوسعون في الكلام من
غير احتياط واحتراز ، وقيل أراد بالمتشدق المستهزئ بالناس يلوي شدقه بهم
وعليهم ، والشدق جانب الفم ، وأما الثرثارون فهم الذين يكثرون الكلام تكلفاً
وخروجاً عن الحق [3] .
فإلى متى يظل همُّ أحدنا الكلام والتعالم والنقد والاستعلاء على الخلق
والاستهزاء بعمل العاملين ؟
فهلاَّ خفضنا من تشدقنا وتعالمنا وتفاصحنا ، واتجهنا شيئاً فشيئاً إلى العمل !
لا نقول إن المسلم يجب أن يترك النقد كله ، لكن ليكن شعارنا : « قليل من النقد
وكثير من العمل » ؛ فإن الأمة تشتكي من قلة من يعيشون لها وكثرة من يعيشون
لأنفسهم ، وقد وجدنا حال من يكثرون النقد وحال عموم المجتمع أنهم يعيشون
لأنفسهم فيؤمِّنون مصالحهم أولاً ويتعلقون بدنياهم ثم ينقدون الآخرين في وقت
التسلية والراحة .
إذا كنت أيها الإنسان لا تبذل شيئاً لدعوة الإسلام ولا تقدم شيئاً لنصرة الدين
فما لك وللآخرين الذين يقدِّمون ويبذلون ما في استطاعتهم ! ما لك ولهم ؛ فإن
الإسلام أباح التيمم عند فقد الماء ، وأباح إمامة الأمي لمثله ؛ وتلك الصحوة التي
تحمل عليها ، وعمل أولئك الدعاة الذين تنال منهم بالنسبة إلى الصورة المثالية
كالتيمم عند فقد الماء .
أوْلى بك أيها المسلم أن تتحرك لدينك ، تحرك إن كان في قلبك إيمان .. ماذا
تنتظر ؟ أما أزعجك غياب شرع الله عن الهيمنة على حياتنا ؟ أما أتاك نبأ
الشركيات والبدع في مجتمعاتنا ؟ أما أزكمت أنفك رائحة المعاصي والمنكرات في
كل مكان ؟ أما أعمتك المتبرجات في الطرقات ؟
إلى متى تعيش لنفسك ؟ إلى متى تعيش للأكل والشرب والنكاح والأولاد ؟
وَاعْلَمُوا أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ( الأنفال : 28 ) .
أما بلغتك دعوته صلى الله عليه وسلم : « تعس عبد الدينار وعبد الدرهم
وعبد الخميصة ، إن أُعطي رضي وإن لم يُعْطَ سخط ، تعس وانتكس ، وإذا شيك
فلا انتقش ، طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله ، أشعث رأسه ، مغبرة
قدماه ، إن كان في الحراسة كان في الحراسة ، وإن كان في الساقة كان في الساقة ،
إن استأذن لم يؤذن له ، وإن شفع لم يشفع » ، والخميصة : ثياب خز أو صوف
معلَّمة ، والساقة : الذين يحفظون الجيش من ورائه [4] .
أين دور كل واحد منا تجاه دعوة الله جل وعلا ؟ أين الدافع الذاتي ؟ إيمانك
الذي في قلبك ، ألم يحركك ؟ أليس كافياً لدفعك للدعوة إلى الله ؟ أين غيرتك على
الدين ؟ هل اكتفيت بأن اسمك معدود في المسلمين ؟ ألم يأتك نبأ أبي بكر الصديق
رضي الله عنه ؟ ! ما إن أسلم رضي الله عنه وعلم بما دخل فيه من دين الله تعالى
حتى أخذ يتصل بخيار رجالات قريش ، لم يجلس في بيته ، ولم ينتظر تكليفاً من
رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينطلق للدعوة إلى الدين الذي اعتنقه ، وإنما أتاه
التكليف من إيمانه وصدق إسلامه ، فأخذ يتصل بخيار رجالات قريش في مكة
يعرض عليهم الإسلام سراً ، فأجابه وأسلم على يديه صفوةٌ كان لها الأثر الكبير في
نشر الدعوة داخل مكة وخارجها ، وأفراد هذه الصفوة كلهم من العشرة المبشرين
بالجنة [5] ؛ فمنهم عثمان بن عفان الخليفة الراشد الذي تزوج بنتي رسول الله صلى
الله عليه وسلم : رقية ثم أم كلثوم ، و الزبير بن العوام حواري رسول الله صلى الله
عليه وسلم وابن عمته صفية ، و عبد الرحمن بن عوف الذي دعم الدعوة بماله
وجهاده ، و سعد بن أبي وقاص الأمير المجاهد ، و طلحة بن عبيد الله من خيرة
الصحابة أيضاً وأحد العشرة المبشرين بالجنة كأصحابه ؛ أي أن رسول الله صلى
الله عليه وسلم دعا أولاً إلى الإسلام ثلاثة رجال هم : أبو بكر وعلي وزيد ، فحمل
هؤلاء الدعوة من فورهم وبدافع من إيمانهم ، فدعا أبو بكر خمسة رجال هم الذين
سبقت الإشارة إليهم ، أي أنه أسلم على يديه خمسة في وقت كان جميع من سبق فيه
إلى الإسلام ثمانية رجال بالإضافة إلى أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها . هكذا
يدفع الإيمان أهله لحمل الدعوة ، وأنت أخا الإسلام كم من منحرف تعرفه ولا تفكر
في دعوته وإنقاذه ، وكم من شاب في مقتبل العمر بحاجة إلى من يأخذ بيده قبل أن
تتقاذفه الأمواج فتتغافل عنه متشاغلاً بدنياك وخصوصياتك !
إن الأمة بحاجة لمن يعيش لها وينزل إليها ، ويقترب من جمهورها ، يسمع
إليهم ، ويأخذ بيدهم للثبات أمام الفتن ، ويسوقهم بعيداً عن المزالق والانحرافات ،
ويجيبهم عن أسئلتهم ، ويخرجهم من حيرتهم ، ويريحهم ويمسح عنهم متاعبهم ،
باذلاً في ذلك طاقته وجهده ، وماله وراحته ، وصلى الله وسلم على رسولنا محمد
الذي كان صدراً حانياً  لأصحابه ، يجدون فيه طمأنينتهم وارتياحهم ، والحل
لمشكلاتهم والإجابة عن تساؤلاتهم ؛ فينصرف كل منهم سعيداً منشرحاً . أما هو
صلى الله عليه وسلم فكان كل ذلك يأخذ من صحته ومن قوته . نعم كان يعيش لهم
لا لنفسه ، ويقتطع من صحته وقوته من أجلهم ، ورضي الله عن زوجه أم المؤمنين
عائشة رضي الله عنها إذ تقول وذلك لما قيل لها : هل كان النبي صلى الله عليه
وسلم يصلي وهو قاعد ؟ : نعم ! بعدما حطمه الناس » [6] . الله أكبر .. بعدما
حطمه الناس أي كأنه بما حمله من أمورهم وأثقالهم والاعتناء بمصالحهم صيَّروه
شيخاً محطوماً [7] ، بأبي وأمي صلوات الله وسلامه عليه لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ
أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ ( التوبة :
128 ) ..
وما فقد الماضون مثل محمد      ولا مثله حتى القيامة يفقد
صلوات ربي وسلامه عليه .
إن الذي يعيش لنفسه يعيش صغيراً ويموت صغيراً ، والذي يعيش لأمته
يعيش عملاقاً ويموت عملاقاً .
لقد شاء الله جل وعلا أن يكرمنا ويتفضل علينا بأن نكون من أمة محمد صلى
الله عليه وسلم ، وأمة محمد صلى الله عليه وسلم لا يعيش أفرادها لأنفسهم ، وإنما
هي أمة أخرجت للناس ، ولها وظيفة عظيمة تؤديها للبشرية كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ
أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنكَرِ ( آل عمران : 110 )
وذلك يقتضي أن يشمر أفراد هذه الأمة عن سواعدهم ليقوموا بهداية الخلق إلى الحق ،
إنما حياة النفس لشهواتها ورغباتها ولهوها ولعبها فلا خير فيها ، يقول صلوات
الله وسلامه عليه : « الدنيا ملعونة ملعون ما فيها إلا ذكر الله وما والاه ، وعالماً أو
متعلماً » [8] .
فاحذروا من عاقبة التفريط في دوركم ورسالتكم ، ولا تلهينكم شهوات نفوسكم ،
أو أموالكم وأولادكم عن أسباب فلاحكم ونجاتكم يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تُلْهِكُمْ
أَمْوَالُكُمْ وَلاَ أَوْلادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الخَاسِرُونَ ( المنافقون :
9 ) آية عظيمة مخيفة تهز القلوب لو كان فيها حياة ، لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم
عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون ، إنها لآية شديدة ولكنها تصور
واقعنا فعلاً ؛ فكم تلهينا دنيانا عن ذكر الله ! وذكر الله أمر عظيم وباب واسع يدخل
فيه كما ذكر الحافظ ابن القيم رحمه الله الدعوة إلى الله ، والأمر بالمعروف والنهي
عن المنكر ، وأشياء أخرى عظيمة كثيرة ذكرها مع الذكر باللسان .
فاحذروا إخوة الإسلام أن تعطوا الدنيا أكثر مما تستحق كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *
وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكْرَامِ ( الرحمن : 26-27 ) ، يَا قَوْمِ إِنَّمَا هَذِهِ
الحَيَاةُ الدُّنْيَا مَتَاعٌ وَإِنَّ الآخِرَةَ هِيَ دَارُ القَرَارِ * مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلاَ يُجْزَى إِلاَّ مِثْلَهَا
وَمَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيهَا
بِغَيْرِ حِسَابٍ ( غافر : 39-40 ) .
ويا ليت كل من احتوته دنياه فأقعدته عن نصرة دينه ودعوته ، يا ليته خفف
من طعنه في دعاة والعاملين في ظهرهم ، يا ليت من فرَّط في حمل رسالته وفي
أداء دوره تجاه الأمة .. يا ليته عاش محافظاً على التزامه كما ينبغي ولم يفرِّط في
حق نفسه .
وفي ختام هذه المقالة أذكِّر نفسي وإخواني بأن العاقبة ستكون وخيمة إذا ما
تدرجنا في الانحدار شيئاً فشيئاً ؛ فإن الأمر يبدأ بترك دورنا ورسالتنا التي شرفنا بها
وجعلنا الله من أجلها خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ( آل عمران : 110 ) ، ثم
ننحدر بعد هذا الكسل والتفريط فنطلق ألستنا متشدقين فلا ينجو منا العاملون والدعاة
الذين حملوا الرسالة بقدر استطاعتهم ، ثم ننحدر أكثر فأكثر فنترك من التزامنا شيئاً
فشيئاً ، أقول إن عاقبة ذلك لوخيمة . فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى
اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ ( غافر : 44 ) .
نعوذ بالله من الخذلان وسوء الخاتمة ، ومن خزي الدنيا وخزي يوم القيامة ،
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .
________________________
(1) صحيح سنن الترمذي ، 1656 .
(2) صحيح سنن الترمذي ، 1642 .
(3) انظر تحفة الأحوذي ، 6/161 ، ونقل فيه جملة كثيرة من النهاية .
(4) انظر : جامع الأصول ، 9/495 .
(5) انظر : صحيح الجامع الصغير ، حديث 50 .
(6) صحيح مسلم بشرح النووي ، 6/12 .
(7) المصدر السابق ، 6/13 .
(8) حسن ، صحيح الجامع ، 3414 .

(( مجلة البيان ـ العدد [‌ 169 ] صــ ‌ 65     رمضان 1422  ـ  ديسمبر 2001 ))


السبت، 22 مارس 2014

الوراقـــــون..!

الوراقـــــون..!
بسيوني الوكيل - مصر
لقد كان للعرب تراث شعري يدل على اهتمامهم به، وقد كتبوا في عصر البداوة قبل الاستقرار على مواد مشتقة من صميم البيئة الصحراوية التي عاشوا فيها. فكتبوا على:
العسب والكرانيف وهي أكثر المواد شيوعا واستخداما في الكتابة لتوافرها ولسهولة الحصول عليها. والعسب: هو أوراق جريد النخل الذي لا يتجاوز طوله قدما ونصف القدم إذا يبست. والكارنيف: أصل السعف الغليظ الملتصق بجذع النخلة، وكان الصحابة في عهد النبوة يكتبون على الرقاع والأضلاع والحجارة وسعف النخيل، واللخاف وهي حجارة بيض رقاق.
كما كتب العرب على عظام الجمال والأغنام -الأكتاف والضلوع-، خاصة العريض منها، وكانت العظام من المواد التي كُتب عليها القرآن، وتُثقب العظام عادة ليمكن جمعها في خيط من الجلد ليسهل الرجوع إليها مستقبلا.
كانت الجلود تُستخدم للكتابة بعد أن تُدبغ، وعليها كُتبت الرسائل التي بعث بها النبي (صلى الله عليه وسلم) إلى الملوك، وكان يُسمى أديما، والأديم: هو الجلد الأحمر المدبوغ. يقول ابن الأديم: إنه كان يُدبغ بماء الحبر، وقد انتشرت الدباغة جنوبي الجزيرة العربية حينما بدأ الفرس يبنون المدابغ في اليمن، وكذلك استُعمل في سوريا وفلسطين لتدوين أسفار اليهود الدينية.
وقد كتب العرب عليها، وقيل لما هُدِّمت الكعبة وُجد حجرٌ مكتوب عليه: "السلف بن عبقر يقرئ ربه السلام".
وقال زيد بن ثابت عندما كُلِّف بجمع القرآن: "جعلت أتتبع القرآن من العسب واللخاف".
المهارق
والمهارق: لفظ فارسي أُطلق على الصحف البيضاء المصنوعة من القماش، يعرفه ابن منظور "بأنه ثوب حريري أبيض يُسقى الصمغ ويُصقل، ثم يُكتب عليه، ويقال: إنه طرق حرير تُصقل وتكتب فيها الأعاجم، وتُسمى "مهر كود"، فعربته العرب وجعلته اسما واحدا؛ حيث قالوا: "مهرت".
ويبدو أن هذا النوع كان عزيز المنال في شبه الجزيرة العربية؛ لأنه كان يُجلب مع القوافل التجارية من البلاد الأخرى، ولذلك كانوا لا يكتبون فيها إلا كل أمر عظيم.
ويقول الجاحظ: "لا يقال للكتب: (مهارق) حتى تكون كتب دين أو كتب شهود وميثاق وأمانات".
الأقمشة القباطي : يمكن أن يقال أن فتح مصر أتى معه بتلك الأقمشة المصرية في آفاق الحياة العربية، وهي أيسر المواد التي كانوا يستعملونها من قبل.
الألواح والخشب ولِحاء الشجر: وقد استخدم الرومان واليونان قديما لِحاء الشجر والخشب المدهون بطلاء أبيض، أو المكسو بالشمع، ودوَّنوا عليه نصوصا قصيرة، وعرفه العرب وكتبوا عليه آيات من القرآن الكريم، ولا يزال مستعملا في الحبشة.
الفخار وبقاياه والشقف والخزف: واستُخدم الخزف في مصر على نطاق واسع لتدوين إيصالات الضرائب والرسائل، وهو من المواد التي سُطِّرَت عليها الكتابات المصرية القديمة، كما أن العرب قد استخدموه في فجر الإسلام، وكذلك استخدمه اليونانيون.
الكتان : وكان يُزرع في مصر، وهو من أهم المواد التي سُطِّرت عليها الكتابات المصرية القديمة، كما كان يُستعمل في صناعة ملابس الطبقة الحاكمة من الفراعنة وأبنائهم.
البردي العربي
وبعد أن أُتيح للعرب الاتصال بغيرهم نراههم قد عرفوا ورق البردي في مصر والورق الصيني. ونجد أن أقدم ما كتب عليه العرب منذ ظهور الإسلام الجلود والأقمشة، وأشهرها النسيج المصري القباطي، الذي كُتبت عليه المعلقات السبع قبل الإسلام.
وقد أصبحت الكتابة منذ عهد عمر بن الخطاب ركنا أساسيا من أعمال الدولة التي اتسعت رقعتها الجغرافية وازدادات أعباؤها؛ فالعهود والمواثيق والمراسلات والدواوين والإدارات والجند والموظفون، كل هذا كان في حاجة لنظم وسجلات، ومن الطبيعي أن تعجز المواد السابقة عن الوفاء بحاجات الدولة، من هنا كان الفتح العربي لمصر بداية عصر جديد في تاريخ الكتابة العربية؛ إذ استطاعوا أن يتعرفوا على مادتين جديدتين للكتابة، وهما القباطي والبردي.
وقد فرضت تلك المادة الجديدة نفسها على العرب، وانتقلت بالكتابة إلى مرحلة جديدة وهي أوراق البردي المصري، ويروي السيوطي "أنه أحسن ما كُتب عليه". وكان الحصول عليه يسيرا، وهو ما ساعد على انتشار الكتابة العربية، وأصبحت أكثر مكاتبات الأمويين على أوراق البردي والقباطي، وظل البردي المصري المادة الرئيسية للكتابة طوال عصر بني أمية وخلال الفترة الأولى من العصر العباسي؛ حيث كان تُعمل منه لفائف؛ طول الواحدة ثلاثون ذراعا فأكثر، وعرضها شبر واحد، وقد احتفظت مصر بمكانتها المعروفة في إعداد ورق البردي وتصديره للعالم الخارجي حتى بعد الفتح الإسلامي.
وقد عُثر على أوراق البردي في مصر في مكان قريب من هرم "سقارة" وفي الفيوم، وهذه الأوراق لها قيمة كبرى في دراسة التاريخ الإسلامي؛ فعن طريقها عُرف أسماء ملوك شيدوا آثارا خالدة، وأمكن معرفة سِيَر كثيرٍ من ملوك مصر، وخاصة في عهد تبعية مصر للأمويين والعباسيين، وأمكن معرفة نظام الدواوين وأحوال مصر الإدارية والاقتصادية والحالة الاجتماعية وأثمان الأصناف الصناعية والأراضي والعقارات.
الرق : وقد استُعمل الجلد للكتابة في بلاد عديدة؛ فقد استعمله القدماء المصريون والآشوريون والفرس، واستخدموا جلود الماشية، ولم يكن هذا الاستعمال مجهولا لدى الإغريق. والرق في اللغة: هو كل ما يُرقق من الجلد ليكتب عليه، ويُصنع من جلود صغار العجول والحملان والجداء والغزلان.
وكانت الجلود تغسل جيدا، ثم تكشف لإزالة الوبر أو الشعر، ثم توضع في ماء الجير حتى تزال المواد الدهنية ثم تجفف، وبعدئذ تدلك بحجر "الحقاف" حتى تصير ناعمة الملمس وتُحكُّ بالطباشير فتصبح بيضاء.
ومما ساعد على انتشار الرق إمكانية الكتابة على الوجهين والكشط، ولم يكن هذا متوافرا من قبل في ورق البردي، وقد شاع هذا الإجراء خاصة في العصور الوسطى عندما ارتفع سعر الجلود، ولم ترتبط صناعة الرق بدولة معينة، وكان الرق في البداية قاصرًا على الرسائل والوثائق والمذكرات الموجزة، وعلى مَرِّ الزمن استُخدم في صناعة الكتب، ثم بدأ البردي في الزوال تدريجيا منذ القرن الرابع الميلادي إلا في حالات نادرة.
الكتب الأولى المصنوعة من الرق : كان من اليسير طي جلود الرق بنفس طريقة البردي، ولكنها كانت على شكل لفافات، وكانت تحاكي كتب البردي بالضبط.
وكان طول اللفافة خاضعا لطول الحيوان المستعمل، وإن كان من المستطاع توصيل أو حياكة عدة أجزاء معا، ولقد ارتبط الرق منذ وجوده بالمسيحية منذ اتخذتها الإمبراطورية الرومانية دينا رسميا.
الكتب المصنوعة من الرق على شكل كراس :على الرغم من اعتياد الأقدمين استعمال الكتب المطوية فإن هذا الكتاب كان له مساوئ خاصة من ناحية التداول اليومي.
وبعد استعمال الرق خطر للناس أن يجعلوا للرق الشكل الذي كان للألواح، وقد تحقق هذا في عهد الإمبراطورية الرومانية، وقد حدث تطور في شكل الكراس، وظلت دفاتر الرق هي صورة الكتاب المألوفة حتى القرن الخامس عشر الذي شهد عملية تحول للورق.
الورق
حدث في القرون الأولى للميلاد تغيير في دعامة الكتابة؛ سواء في الشرق أم الغرب، فقد ظل استخدام الرق قاصرا حتى ذلك الوقت على الأعمال القليلة الأهمية؛ فكان الرومان ينسخون عليه الكتب المدرسية والقانونية.
ثم تغير مظهر الكتاب تدريجيا في منتصف القرن الثاني حتى القرن السادس بادئا بورقة البردي المسطحة.
وفي الشرق تم اكتشاف الورق؛ حيث اكتشف "تساي لون" في سنة 105 طريقة استخدام مواد رخيصة مثل قشور النباتات ونفايات القطن وشباك الصيد البالية، وهو يُعَد الخطوة الفاصلة، وقد اخترع الورق في مقاطعة "هانون"، وانتشر بسرعة في جميع أنحاء الصين، وانتقل إلى كوريا في القرن السادس واليابان في القرن السابع، واتجه إلى آسيا الصغرى وفارس متبعا طريق القوافل.
ولما قامت معركة بين زياد بن صالح حاكم سمرقند ضد أخشيد فرغانة، وانتصر المسلمون وأَسَرُوا عشرين ألفا جاءوا بهم إلى سمرقند، وكان من بينهم صناع الورق الصيني.
وبدأ يُصنع منذ هذا التاريخ ورق سمرقند بنفس طريقة ورق الصين، وأصبح مادة مهمة للتصدير، وعُرف بورق سمرقند أو خراسان، وقد طور العرب صناعة الورق، وخَطَوْا به خطوات واسعة في طريقة الإتقان والجودة؛ فقد حدث للورق الذي نُقل من الصين تغيير مهم على أيدي المسلمين.
وكانت مصانع الورق في القرن الرابع الهجري منتشرة في دمشق وتبريز، وانتشرت في القرن السادس في فاس بمراكش، وأبانيا كان ورقها يصدر للبلاد الأخرى لتميز نوعه، وفي القرن السابع أقيم مصنع للورق في تبريز بفارس، وكان الورق السوري المصنوع في حماة أحسن من الورق المصري، وكان يُكتب عليه القرآن، ويُستعمل في الرسائل بديوان الإنشاء.
وذكر ابن النديم في الفهرست سبعة أنواع مختلفة من الورق: الطاهري، الخرساني، السليماني، الطلحي، النوحي، الفرعوني، والجعفري.
ويقول اليعقوبي: إنه في أيامه كان هناك سوق للوراقين، وبانتشار الورق ظهرت مهنة جديدة هي الوراقة، وازدهرت هذه الصناعة في بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية.
وقبل أن ينتصف القرن الأول بدأت حركة التأليف العربية تخرج إلى حيز الوجود؛ فكان معاوية يُحضر دفاتر سير الملوك وأخبارهم، فيقرأ ذلك عليه غلمان له، ولا نكاد نصل للقرن الثاني الهجري حتى نجد الكتب وقد كثرت وشاعت بين الناس.
ولقد شهدت بغداد في القرن الثالث سوقا كبيرا للوراقين كان بها أكثر من مائة حانوت للوراقة، ولم تكن هذه الحوانيت مجرد دور للنسخ وصناعة الكتب، ولكنها كانت مجالس للعلماء والشعراء والطبقات المثقفة. وليست كثرة التأليف فقط هي ما يلفت النظر، ولكن شغف الناس بالقراءة الذي بدأ مع بداية حركة التأليف والترجمة، وذلك انطلاقاً مما حثَّ عليه الإسلام من طلب العلم مثل قوله جل جلاله: "وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا"، "قُلْ هَلْ يَسْتِوي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلمُونَ".
المصادر:
- تاريخ الكتاب الإسلامي - عبد الستار عبد الحق الحلوجي.

الأحد، 16 مارس 2014

لماذا أعدم سقراط ؟!

السبت، 15 مارس 2014

المكفوفون في الأدب العربي


المكفوفون في الأدب العربي
البصيـرة قبل البصر
مصطفى قاسم عباس
إن من أعظم نعم الله عز وجل التي امتنّ بها علينا نعمةَ البصر، وهل يستوي الأعمى والبصير؟
والدنيا ـ كما هو معلوم ـ دارُ ابتلاء وامتحان، قد يبتلي الله فيها الإنسانَ بفقد البصر، لكنه ـ جل وعلا ـ يعوّضه الجنة، فعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يَقُولُ: قَالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: إِذَا ابْتَلَيْتُ عَبْدِي بِحَبِيبَتَيْهِ، ثُمَّ صَبَرَ عَوَّضْتُهُ الْجَنَّةَ يُرِيدُ عَيْنَيْهِ(1).
مع ذلك تبقى البصيرةُ هي المقياسَ والأساس، فكثيرٌ من الناس لهم أعينٌ لا يبصرون بها، فيكون أعمى في هذه الدنيا }وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً{(2)، وتراه معرضاً عن ذكر الله، وربُّ العزة يقول :}وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى{ (3).
وكثير من الناس من حُرم نعمة البصر، ونورَ العين، لكنه ما حُرم نورَ القلب، وذكاءَ العقل، وفصاحةَ اللسان، فابن عبَّاسٍ رضي الله عنهما بعد ما ذهب بصرهُ يقول:
إنْ يأخُذِ الله مـن عينيَّ نُورَهُـما...
ففِي لِسانِي وقلبي مِنْهُما نـورُ
قلبي ذَكيٌّ وعَقلي غَيْرُ ذي دَخَلٍ...
وفي فمي صارمٌ كالسَّيفِ مأثورُ (4)
وفي نفس المعنى، بل بتوافقٍ في الشطر الأول من البيت الأول قال عز الدين أحمد بن عبد الدائم:
إن يُذهبِ الله من عينيّ نورَهما...
فإن قلبـي بصيـرٌ مـا به ضررُ
أرى بقـلبي دنيـاي وآخرتي...
والقلبُ يُدرك مـا لا يدرك البصرُ(5)
وأحدُ الخطباء المعاصرين كان أعمى، وسئل مرة :هل تجلس أمام التلفاز ؟، فأجاب: إن الله تبارك وتعالى أكرمني بفقد البصر حتى لا أرى ما يغضبه، ثم أنشأ يقول:
رأيت العمى أجراً وذخــراً وعصمة
وإنــــــي إلى تلك الثلاث فقيــــــــرُ
يعيّرني الأعـــــــــداءُ والعيبُ فيهمُ
وليس بعيبٍ أن يُقــــــال ضريـــــرُ
إذا أبصر المرءُ المروءة والــــوفا
فإنّ عمى العينين ليس يَضيـــــــــر (6)
 
والشاعر الضريرُ نصر علي سعيد يرى أن كثيراً من المبصرين يمشون في درب الحياة بلا هدف ولا هدى، ويرى كثيراً من العميان متوهجين في بصيرتهم، ويملؤون الدنيا عطاءً، وها هو يبحث عن قلبٍ لا حرابَ فيه في زمن الذئاب البشرية يقول:
كـم من ضريرٍ مبصرٍ متوهّجٍ
يعطي ويعطي والمدى وهّابُ
وترى ألوف المبصرين بلا هدىً
لكأنـما فوق العيون حجابُ
وأسـيرُ في درب الحياة لعلَّني
أحظى بقلـبٍ ليس فيه حِراب
فالناس تنهش بعضها بشراهةٍ
لكأنهم ـ يـا ويلتاهُ ـ ذئابُ (7 )
ويأتينا الشاعرُ علي بن عبد الغني الحصريُّ بصورةٍ بديعة عندما جعل سوادَ العين يزيد سواد القلب، ليصبحا مجتمعين على الفهم والفطنة:
وقالوا قد عَميتَ فقلت: كلا...
وإني اليوم أبصَرُ من بصيرِ
سوادُ العين زاد سـوادَ قلبي ...
ليجتمعا على فهم الأمورِ (8)
وقد يولد الإنسانُ أعمى، وقد يفقد بصرَه فيما بعد، فمن الحالة الأولى الشاعر بشار بن برد، حيث وُلد وهو أعمى بل حتى وهو جنين كما يقول، وأخذ يعلل ذلك بالذكاء، وأن ضياءَ العين عندما غاض أتى مرادفاً ورافداً للقلب، قال:
عَمِيتُ جنيناً والذَّكاءُ مـنَ العَمَى ...
فجِئتُ عجيبَ الظَنِّ للعِلم موئلا
وغاضَ ضـياءُ العينِ للعلمِ رافـداً ...
لقلبٍ إِذا ما ضيَّع الناسُ حَصَّلا
وشِعرٍ كَنَوْرِ الرَّوْضِ لاءَمْتُ بَـيْنَهُ ...
بقولٍ إِذا ما أحزَنَ الشِّعرُ أَسْهلا (9)
ومن الحالة الثانية الشاعرُ صالح بنُ عبد القدوس، الذي فقد عينه فرثاها بأروع كلمات الرثاء، وأودع قصيدته التاليةَ روائع الحكم :
عزاءكِ أيهـا العـينُ السكوبُ ...
ودمعك إنـها نُـوَبٌ تنوبُ
وكنتِ كريمتي وسـراجَ وجهي ...
وكانت لي بـك الـدنيا تطيب
فإن أكُ قد ثكلتكِ فـي حياتي ...
وفارقني بـك الإلف الـحبيبُ
فكلّ قــرينة لا بُـد يـوماً ...
سيشعب إلـفَها عنها شـعوب
على الدنيا السلامُ فما لشـيخٍ...
ضريرِ العيـن في الدنيا نصيبُ
يموت المرءُ وهـــو يُعدّ حياً...
ويخلف ظنَّـه الأمـلُ الكذوب
يمنّيني الطبيبُ شــفاء عينـي...
ومـا غيـر الإله لهـا طبيب
إذا ما مات بعضك فابكِ بعضاً...
فإن البعض من بعضٍ قـريبُ(10)
وعندما نتأمل في شعر العميان نرى أن بعضهم أتى بصورٍ يعجز عنها المبصرون، مما يجعلنا في غاية التعجب! ونقول: كيف لو كان هذا الأعمى مبصراً؟!! وفارس هذا المضمار رهينُ المحبسين أبو العلاء المعريُّ، الذي كلما تحدث أحدٌ عن الشعر والعمى يخطر على البال، والذي عناه المتنبي ـ كما يقول ـ في بيته المشهور:
أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي
وأسمعت كـلماتي من به صممُ
وحسبُك من وصفه قصيدتُه التي يصف فيها الليل وعروسه الزّنجية، ومنها:
قوله:
ليلتي هـذه عروسٌ من الزّنـ ...
ج عليها قـلائدٌ مـن جمان
وسهيلٌ كوجنة الحبّ فـي اللو...
ن وقلب المحب فـي الخفقان
ثم شاب الدّجى وخاف من الهج...
ر فغطى المشيب بـالزعفران(11)
وكثيرةٌ هي الصور الفريدة البديعة التي أتى بها الشعراءُ العميان، والتي يعجز عنها المبصرون..
ونطرح سؤالاً هنا؟ هل الحب والعشق مقصور على المبصرين؟ والجواب: طبعاً لا، لأن العشق لا يميز بين أعمى وبصير، وما أروع قولَ بشار بن برد في هذا المجال:
يا قَوْمُِ أُذْنِي لِبَعْضِ الـحـيِّ عَـاشِقَةٌ
والأُذْنُ تَعْشَقُ قَبْـلَ العَيْنِ أَحْيَاناً
قَالُوا: بِمَنْ لاَ تَرَى تَهْذِي؟ فَقُلتُ لَهُمْ:
الأُذْنُ كاَلْعَيْنِ تُوفي القَلبَ مَا كانَا(12)
والإنسان يحب عادة فتاة حوراءَ عيناءَ، نجلاءَ كحلاءَ، فهل هناك من الشعراء من أحب فتاة عمياءَ؟!.
ويأتي الجواب أيضاً بأن الحب لا يعرف أعمى ولا بصيراً، فهذا الشاعر أحب امرأة عمياء، وأتى بتعليل لطيفٍ وهو أن محبوبته العمياءَ لا ترى الشيبَ عندما يلوح في فَوديه، يقول ابنُ قزل يتغزل في عمياء:
قالوا: تعـشّقتها عمـياءَ؟ قلـت لهم:...
ما شانـها ذاك فـي عيني ولا قدحا
بل زاد وجـديَ فيـها أنـها أبـداً...
لا تعرف الشيبَ في فَودي إذا وضحا
إن يجرحِ السيفُ مسلولاً فلا عجبٌ..
وإنما اعجبْ لسيف مغمدٍ جـرحا (13)
ونرى أن بعض الشعراء العميان حالتُهُم تُدمع العين، وتُحزن الفؤاد، فابن التعاويذي، يرى نفسه مقبوراً في منزله، ليلُه ونهارُه سواءٌ، وحالته تبكي العذول، وتُدمع العيون، يقول:
فها أنا كالمقبور في كسر منزلي...
سواءٌ صباحي عنده ومسائي
يرق ويبكي حاسدي ليَ رحمةً ...
وبُعـداً لـها من رقةٍ وبكاء
وهكذا كنا في جولة سريعة مع من فقد بصره، ولا يزال نور شعره متوهّجا مدى الأيام، بل لا يزيده مرورُ الأيام إلا صقلا وجمالا وبهاء..........
وما علينا في الختام إلا أن نحمد الله على نعمه وآلائه، وعلى نعمة البصر العظيمة، ولكن ـ كما قلنا ـ البصرُ ليس كلَّ شيء فالأهمُّ البصيرة، ولا عجبَ عندما نرى في الدنيا بصيراً يسقط في حفرة، وأعمى يمشي بلا اصطدام، وما أروع ما قاله الشاعرُ إبراهيم علي بديوي:
قل للبصير وكان يحذر حفرةً
فهوى بها من ذا الذي أهواكا؟
بل سـائل الأعـمى خطا بين الزَّحا
م بلا اصطـدامٍ: مــن يقود خطاكا؟
فاللهم متعْنا بأسماعنا وأبصارنا وقوتنا ما أحييتنا، واجعله الوارث منّا، وارزقنا نعمة البصيرة المنيرة، والهديَ المستقيم، إنك سميع مجيب.
(1) ـ حديث صحيح، انظر شرح السنة للبغوي، ج 3، ص : 21
(2) ـ سورة الإسراء: 72
(3) ـ سورة طه: 124
(4) ـ كتاب الحيوان، الجاحظ، باب الشعر في الخصب والجدب، ج: 1، ص: 216
(5) ـ نكث الهميان في نكت العميان، الصفدي، ص:24، 25
(6) ـ آخر لقاء مع (20) عالماً ومفكراً إسلامياً، جمع وإعداد: محمد خير رمضان يوسف، ط: 1، 1426 هـ، 2005م، دار ابن حزم ص: 51
(7 ) ـ جريدة الفداء. عدد: 11957تاريخ: 15\10\2002 م
(8) ـ نكث الهميان في نكت العميان، الصفدي، ص: 24
(9) ـ نور القبس، المرزباني، ج: 1 ص: 54
(10) ـ المستطرف من كل فن مستظرف: شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأبشيهي، ط: 3 دار صادر ص: 669 ـ 670
وانظر: ربيع الأبرار، الزمخشري، ج: 1 ص : 413
(11) ـ نصرة الثائر على المثل السائر، الصفدي ج: 1 ص: 44
(12) ـ خزانة الأدب، عبد القادر البغدادي، ج : 1 ص: 385
(13) ـ نكث الهميان في نكت العميان، الصفدي، ص :25

الجمعة، 14 مارس 2014

الشيعه:هولوكوست كربلاء.. تجديد الأحقاد وصناعة الكراهية!!!

الشيعه:هولوكوست كربلاء.. تجديد الأحقاد وصناعة الكراهية!!!

كربلاء ..قصص وحكايات كثيرة أنتجها الخيال الشعبي الشيعي، بعضها القليل يستند لحقائق، وبعضها الآخر يستند للأباطيل والأكاذيب والخرافات، لكن الجميع هدفه واحد، والغرض منه واحد؛ وهو استنزاف عاطفة الشعور الجمعي، وتوظيفه في أجندة تخدم أيديولوجية خاصة، أجندة "صنَّاع هولوكوست كربلاء" الذين يهدفون في كل سنة إلى ترسيخ مبدأ الانتقام في الذهنيَّة الشيعية، وتعميق هوة التشرذم، وتجديد الأحقاد، وصناعة الكراهية. إن هذه الآلام الحقيقية أو "المفبركة" ما هي إلا "بروبيغندا" تغذي الضمير الجماعي نحو هدف ُموَاحَد وُموحِـد!

إن هذه الآلام؛ كآلام الحسين -رضي الله عنه- ليست إلا حلقة في سلسلة طويلة تهدف إلى توظيف الأحداث أو المخيلة؛ لاستدرار عواطف الشعوب الطيبة، التي تكره الظلم، وتستنكف العدوان، لتربيها على صناعة ظلم جديد وعدوان آخر!

لم يكن الجوهر الحقيقي في مسيرات "اللطم" أو "التطبير" أو "العزاء" أو "السواد" هو صناعة البطل الذي تبلور في المخيلة الشعبية وكأنه هو المخلص أو الفادي أو المضحي، بل الجوهر الحقيقي لتلك المسيرات هو تكريس منظم، ومدروس بعناية لصناعة "العدو" أو "الخصم" أو "الآخر" أو "الناصبي" الظالم الشرير والخائن اللعين، كي يكتمل السيناريو، وُتكتب المسرحية بدقة، فتلتهب مشاعر الشيعة حزناً على "البطل الضحية" والذي ضحى بنفسه بالاختيار لأجلهم، لأجل شيعة الحسين، الذي تزعم روايات "صناع هولوكوست كربلاء" أنه وعد بالجنة كل من بكى عليه، وتألم لأجله، أو دعا بأن يكون من الجنود الذين ينتقمون من "الآخر" تحت راية المنتقم الدموي "المهدي" الذي سيحيي قتلة الحسين وسيقتل العرب وسيصلب الصحابة وأبناء العرب!

لقد أخذت هذه الأساطير والقصص والرؤى تغذي العقل الشيعي بكراهية قاتل الحسين -رضي الله عنه-وظل الوجدان الشيعي يتغذى بالانتقام والكراهية كلما مر به طيف صور الحسين وهو صريع في أرض كربلاء مقطوع الرأس، قتيل الأبناء!

إن ما نشاهده هذه الأيام أقصد أيام "آلام عاشوراء" يؤكد ما ذكرناه آنفاً، من وجود صناعة للآلام المزيفة على حساب الآلام الحقيقية، إن صنّـاع "آلام عاشوراء" الكبار ليس هدفهم الأساس تكفير كبيرة خيانة الحسين رضي الله عنه، أو الحزن عليه، بل الأمر له وجه آخر مخفيّ أو معلن حسب الظروف الزمنية والمكانية!

أن هدف اللاعبين الكبار في صناعة "آلام عاشوراء" له وجه آخر أسود ومخيف، فكما كان هؤلاء هم من دبر مؤامرة الحسين الأولى، فهم أيضاً من يدبر المؤامرة في كل مرة، ويقتلون الحسين في كل سنة تحت اسم "آلام عاشوراء" !

فهؤلاء الصنّـاع لهم هدف استراتيجي يتمثل في استغلال هذه الآلام لأهداف أخرى غير المعلنة، ويدل على ذلك النتائج التي تظهر لنا كل سنة من وراء أيام محرم وخاصة عاشوراء، فهؤلاء لهم أجندة خطيرة وهي:

تغذية الكراهية والحقد والبغضاء بين الأمة الإسلامية باسم الحسين..

فبالأمس قتلوا الحسين باسم الحسين..

واليوم يقتلون الأمة باسم الحسين..!

وهؤلاء لأن غايتهم غير شرعية، فوسائلهم أيضا غير شرعية، فلا مانع بأن يستفاد من تراث آلام المسيحيين، ولا مانع من أخذ كل شيء يمكن أن يستدر عواطف عوام الشيعة، لتحقيق المكسب المالي على المستوى الشخصي، وتحقيق العداوة والبغضاء على المستوى العام للأمة الإسلامية.

ومن يتأمل تاريخ هذه المسيرات عبر التاريخ الإسلامي، يجد أنها أهم عامل من عوامل ضرب الوحدة الإسلامية، بل عامل هدم الوحدة والأخوة الإسلامية، وعامل محرك للبغضاء والتشاحن، وتغذية الكراهية والحقد بين المسلمين.

فما كان يحصل بين السنة والشيعة عام 338هـ في بغداد، وعام: 406،408، 421،422،425،439،443، 444، 447،482، 510.. إلخ لأكبر دليل على أن هذه المسيرات التي تلقب بالحسينيات أو العزاء أو نحوه ليست إلا مسماراً في نعش وحدة الأمة!

ويكفي أن يستمع المسلم أو يشاهد فعاليات هذه المسيرات..

فخيار هذه الأمة يلعنون..

والصحابة على ألسنة "الرواديد" يكفرون..

وأعراض أمهات المؤمنين تنتهك وتباح لكل رخيص..

ونبرة الطائفية تعلو.. ولغة السيف والدم والانتقام هي الأقوى..

ولغة التهديد والوعيد تحتد وتبرز..

وكل ذلك في مسيرات سوداء صارخة منتقمة !

ومن تأمل حال المسيرات والعزاء بشكل دقيق، أي خالط هذه المسيرات يكتشف أمراً محيراً هو : أنه ليس في هذه المآتم أي شيء يدل على وجود مأتم غير اللباس الأسود!

فاللباس بشكل عام أنيق وجميل، وهناك تنافس على الأزياء كل سنة، للفت الأنظار ونظرات الإعجاب من الشباب والفتيات!

فبناطيل "الجنز" الجديدة في كل مكان، و"التيشيرتات" الأنيقة تزيّن الشباب، والأجسام المتناسقة والعضلات المفتولة تفتن فتيات المآتم، بل إن الترقيم والمعاكسات ينشط بشكل غريب في مآتم الحسين!!!


ومن أعجب الأمور أنه في عاشوراء يوم قتل الحسين وأهل بيته عطشاً وجوعاً وحرقاً، وبينما أهل السنة يصومون هذا اليوم، يقوم الشيعة بتوزيع الحلوى (!!!) وإقامة أطيب أنواع الموائد للطعام والشراب!!!

فالمحموس، والموش، والشراب، والسنبوسة.. إلخ على قدم وساق يتجمع عليها الشيعة الحزينين على مقتل الحسين !!!

ومع هذه الآناقة والشياكة، والمطاعم والمشارب، واجتماع الأهل والأحباب، تنظم المسيرات الحسينية في أيام المآتم العاشوريّة حفلات أناشيد!!

وفي كل مسيرة يتنافس الجميع في جلب أفضل (رادود حسيني) كي يطرب المجتمعين بصوته العذب الشجيّ !

فأهل الكويت يحبون الرادود الحسيني (باسم الكربلائي) الذي أصبح من وجوه القوم مكانة وثراءً بسبب العائد المادي الهائلة لهذه الحفلات الحسينية!

وأهل البحرين يفضلون الرادود الحسيني (جعفر الدرازي) الذي يصدح بصوته الجميل في المسيرات وفي كل عام.

ويبرز التنافس –وفي الغالب غير شريف- بين الرواديد لكسب الأسواق العالمية، فأفضل سوق للرواديد هو في الكويت حيث الغناء الفاحش، ثم يليه أوروبا .. وهكذا، يكون التنافس ويصل إلى تبادل الاتهامات والطعن والمهاترات!

وتبدأ المسيرات الحسينية بالغناء والأهازيج، ويتمايل الرادود والمغني يميناً وشمالاً، ويتمايل الناس معه في طرب واستمتاع، ويضربون على صدورهم محدثين نغماً منتظماً وبشكل موحد، وكل رادود يحرص على جمع أكبر عدد ممكن لديه.

لكن ومع هذا الاختلاف المصالحي الشخصي، يظل الهدف موحداً في الجو العام للمآتم، وهو صياغة الأشعار والكلمات بما يخدم الهدف الأساسي وهو تفريق كلمة المسلمين، وتغذية الكراهية والحقد!!

فباسم مأتم الحسين..

ُيلعن المخالفون، ويلعن الصحابة، وتلعن أمهات المؤمنين..

ويكفر الصحابة، ويكفر من خالف الشيعة..

ويلعن ويشتم أفاضل الأمة سلفاً وخلفاً..

فدائماً تسمع ..

اللهم ألعن الأول والثاني..

اللهم ألعن أول ظالمي آل محمد..

اللهم ألعن من كسر الضلع.. وخلع الباب .. وأجهض الجنين .. إلخ!!

أطفال أعمارهم السنة والثلاث والخمس.. يلطمون على صدورهم.. ويتعلمون اللعن والشتم والسب والتكفير والقذف!!

إنها –يا سادة- مصانع للثأر والأحقاد والبغضاء، يغذون الصغار على حب الانتقام والكراهية، بواسطة القصص الخيالية الموضوع أكثرها، والأصوات المؤثرة، والمشاهد والصور المعبرة، ثم الخطب التي تضع على نار الكراهية المزيد من الحطب!!

يدعون المهدي المنتظر .. وينادونه : يا أبا صالح وينك، وفيك من الأعداء، متى تجي تبرد الكبد تذبحهم !!!

من هم هؤلاء الأعداء؟

هل هم قتلة الحسين ؟

ألم يموتوا قبل أكثر من ثلاثة عشر قرناً!!

إذن .. من هم قتلة الحسين الذين سينتقم منهم شيعة المآتم؟!

لماذا تقام مسرحيات (الشبيه)؟

ولماذا تمثل أحداث كربلاء ونساء أهل البيت يجلدن..

ثم يصيح الصائح: هذا هو جيش الشام يعذب السبايا من بنات أهل البيت؟؟

لماذا أهل الشام؟!

وهكذا أصبح (يا لثارات الحسين) نداء المطالبة بالثأر لدم الحسين عليه السلام. وهو من جملة نداءات أنصاره، وشعار الملائكة الملازمين لقبره حتى ظهور صاحب الزمان عليه السلام (بحار الأنوار 286:44 و 103:98)، وهو أيضاً شعار المهدي حين يظهر طالباً بثار شهداء كربلاء(منتهى الآمال 542:1)، وهو أيضاً شعار أنصار المهدي المشتاقون للشهادة في سبيل الله: " شعارهم: يا لثارات الحسين"(بحار الأنوار 308:52) .

إن هذه المآتم ليست إلا مصانع سياسية تغذي روح الكراهية في قلوب عوام الناس، لتزرع الأحقاد بين الطوائف الإسلامية.. ولا حول ولا قوة إلا بالله!

همسة أخيرة ..

يقول الشيخ العالم الشيعي الكبير "مرتضى مطهري" :
(إذا تجاورت النحل وتعاشرت تبادلت العقائد والأذواق وإن تباعدت في شعاراتها ، من ذلك مثلا سريان عادة التطبير أي ضرب الرؤوس والقامات وضرب الطبول والنفخ في الأبواق من المسيحيين الأرثوذكس القفقازيين إلى إيران وانتشرت فيها انتشار النار في الهشيم ، بسبب استعداد النفوس والروحيات لتقبلها).
في كتابه: (الإمام علي في قوته الجاذبة والدافعة – 180).



الكاتب الكبير / صخرة الخلاص

الخميس، 13 مارس 2014

منع الكتب.. وقانون للمجون في الغرب!

للحرية أنياب ورقيب
منع الكتب.. وقانون للمجون في الغرب!
أمير نبيل

يقول البعض: إن بعض بلادنا غير متحضرة؛ لأنها تمنع حرية التعبير، وتصادر الصحف والكتب، وبها رقابة عنيفة تقف بالمرصاد أمام كل معارض يحشو صفحات الكتب بأفكاره الهدَّامة، ولأنها تقصف الأقلام وتخرس الألسنة، أما في الدول الغربية فهي جنة المعارضين وروضة أصحاب الأقلام الحرة التي لا يقصفها قاصف.
ونحن ضد الرقابة ومع الحرية، ولكننا أيضًا نرد بأن الدول الغربية، وباعتراف شاهد من أهلها، هي شديدة الفتك بمعارضيها وإن كانت ترفع رايات حرية التعبير، ولها تاريخ وحاضر عريضين في المنع والرقابة، فلكل مجتمع ثوابته وأخلاقه التي يرعاها، لكن الغرب أحياناً يستخدم الرقابة في تكميم الأفواه وقصف الأقلام وإسكات الألسنة.
وعلى موقع بشبكة الإنترنت وفي جامعة بنسلفانيا خدمة تتعلق بالكتب التي كانت ضحية للرقيب فيتحدث صاحبه، عن كتب تعرضت للرقابة أو منعت عبر التاريخ، وفي أنحاء متفرقة من العالم.
وهذه الكتب، التي تتنوع من كتاب "عوليس" إلى" قلنسوةِ الرّكوبِ الحمراءِ الصّغيرةِ"، اختيرتَا من فهارسِ صفحة الكتب المتاحة وبها 10,000 كتاب.
ويصف المؤلف صفحته بأنها قابلة للزيادة، وهي عمل يزداد باستمرار ويُحتملُ أَنْ تضاف إلى هذه الكتب، وفي حالة الرغبة في إبلاغه بالكتب المماثلة يقدم هذا العنوان البريدي الإلكتروني للاتصال به:

ويقول: إن الكتب الموجودة في هذه القوائم هي أمثلة وليست هي كل القوائم، كما أنها لم تتضمن العديد من الكتب التي منعت مؤخرًا؛ وذلك لأنها ليست متاحة على الإنترنت.
وبعض أخبار الرقابة لعام 1999م تتضمن فرض الرقابة على طائفة فالون جونج في الصين، وكبار المسئولين عن المدارس الثانوية في جورجيا طالبوا بالحصول على تصريح قبل قراءة شكسبير.
أما عن الكتب التي قمعت أو خضعت للرقابة من جانب السلطات القانونية فيسوق المؤلف أمثلة منها كالتالي: .
عوليس أو يوليسيس لجيمس جويس قد اختيرت مؤخراً من جانب المكتبةِ الحديثةِ كأفضل رواية في القرن العشرين وتلقت مديحًا واسعًا من قبل أساتذة الأدب، من بينهم أولئك الذين دافعوا عن الرقابة عبر الإنترنت.
وقد حظرت الولايات المتحدة رواية يوليسيس لمدة 15 سنة ووصفتها بأنها بذيئة، وكان يتم ضبطها من جانب سلطات البريد الأمريكية في عامي 1918 و 1930م، ولم يرفع الحظر عنها إلا في عام 1933م وبعد أن كافح مدافعون عنها من أجل حق نشر الكتاب.
وفي عام 1930م ضبطت سلطات الجمارك الأمريكية نسخًا من كتاب لفولتير كانت في طريقها إلى هارفارد، وكان فولتير يمتدح فيه الهجاء، بزعم أنه مجون.
 وقد دافع أستاذان من جامعة هارفارد عن الكتاب، ثم اعترف به في طبعة تالية.
وفي عام 1944م طالب مكتب البريد الأمريكي بحذف كتاب كانديد من كتالوج كتب كونكورد المرسل بريديًّا.
وأما كتاب جون كليلاند "تل فاني" والذي يعرف أيضًا بكتاب "مذكرات امرأة للمتعة" تعرض للقمع المتكرر بعد أن طبع لأول مرة في عام 1749م.
وهي قصة عاهرة اشتهرت لقيامها بالوصف الجنسي الصريح، ومحاكاتها الساخرة للأدب المُعاصر، مثل أدب دانيل ديفو في كتابه مول فلاندرز، وقد برأت المحكمة الأمريكية العليا نهائيًّا هذا الكتاب من تهمة المجون في عام 1966م.
كما منعت كتب ليسيستراتا لأرسطوفانيس، وحكايات كانتربري لتشوسر، وكتاب ديكاميرون لبوكاتشايو وكتاب مول فلاندر لديفو، وطبعات مختلفة من حكايات ألف ليلة وليلة، كل هذا منع عبر عقود من الزمان من المرور عبر البريد الأمريكي في ظل قانونِ كومستوك لعام 1873م.
وقد عرف هذا القانون رسميًّا باسم القانون الاتحادي لمناهضة المجون، وقد حظر إرسال أو استقبال أي مواد تدعو إلى الفسق أو الخلاعة أو القذارة أو البذاءة .
كما منع قانون كومستوك توزيع معلومات تحديد النسل، وفي عام 1915م، اعتقل زوج المؤلفة مارجريت سانجر لتوزيعه كتابًا لها بعنوان "تحديد العائلة"، والذي وصف ودافع عن مناهج متنوعة من منع الحمل.
وقد فرت سانجر نفسها من البلاد تجنبًا للمحاكمة، ولكنها كانت سترجع في عام 1916م لافتتاح رابطة تحديد النسل الأمريكية، التي ظهرت في نهاية المطاف مع جماعات أخرى لتشكيل جماعة الأبوة المخططة.
كما سحبت مجموعة "أوراق العشب" الشعرية الشهيرة لوالت وايتمان في بوسطن عام 1881م، بعد أن هدَّد ممثل الادعاء المحلى بالمحاكمة الجنائية بسبب استخدام اللغة الصريحة في بعض الأشعار، وقد نشر العمل فيما بعد في فيلادلفيا.
وقد حظرت الاعترافات الذاتية لجان جاك روسو من جانب سلطات الجمارك الأمريكية في عام 1929م على اعتبار أنها تخدش الحياء العام، كما حظرت أيضًا أعماله الفلسفية في الاتحاد السوفييتي السابق عام 1935م، وقد وضع بعضها في فهرس الكنيسة الكاثوليكية الخاص بالكتب الممنوعة في القرن الثامن عشر. وهذا الفهرس كان في بادئ الأمر مسألة تتعلق بقانون الكنيسة، ولكن في بعض المناطق قبل منتصف القرن التاسع عشر، كان له كذلك قوة القانون المدني، وفي العام الماضي نشر هذا الفهرس الكامل حتى عام 1949م، وقد ألغي هذا الفهرس أخيرًا في عام 1966م.
تهمة الخيانة للمدافع عن الحقوق
توماس بين المشهور بكتاباته الداعية للاستقلال الأمريكي، كان قد اتهم بالخيانة في إنجلترا عام 1792م بسبب كتابه (حقوق الإنسان) المدافع عن الثورة الفرنسية، وهناك عدة ناشرين إنجليز حوكموا لقيامهم بطباعة "عصر العقل" والذي دافع فيه "بين" عن الطبيعة وناهض المسيحية.
وفي عام 1660م أمر الملك الفرنسي لويس السادس عشر بتمزيق وإحراق كتاب الرسائل الإقليمية لبليز باسكال، والذي دافع فيه عن جانسينيست أنطوان أرنولد.
كما حظرت فرنسا كذلك كتاب تاسو الذي يحمل عنوان:القدس، والذي ألفه في القرن السادس عشر لاحتوائه على أفكار هدامة لسلطة الملوك.
وقد خضعت كتابات جاك لندن في الديكتاتوريات الأوروبية في العشرينيات والثلاثينيات من القرن العشرين.
وفي عام 1929م حظرت إيطاليا كل الطبعات الرخيصة من كتابه الدعوة إلى الجموح، كما حظرت يوغوسلافيا كل أعماله باعتبارها متطرفة للغاية، كما أحرقت أعمال لندن من جانب الحكومة النازية.
وحظر نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا عددًا من الكتب الكلاسيكية، ففي عام 1955م على سبيل المثال، ذكرت صحيفة النيويورك تايمز أن كتاب مارى شيلي "فرانكنشتاين" قد حظر هناك باعتباره مكروهًا أو خليعًا أو بذيئًا، كما حظر هذا النظام أيضًا كتاب الجمال الأسود "لأنا سويل"، وهي قصة عن حصان.
وفي الأوقات التي تتسم بالانفعال العصبي، كانت هناك رقابة ذات دوافع سياسية في الولايات المتحدة أيضًا.
وفي عام 1954م حاول أحد مكاتب البريد أن يعوق تسليمَ كتاب لينين الدولة والثورة لجامعة براون، حيث وصفته بأنه هدام.
وفي عام 1918م أبلغت وزارة الحرب الأمريكية اتحاد المكتبات الأمريكية إزالة عدد من الكتب المنادية بالسلام والمزعجة، بما فيها كتاب "هل يمكن أن تقع هذه الأمور ؟" تأليف أمبروز بريس من مكتبات المعسكر، وهو توجه كان قد تم تبنيه على الجبهة الداخلية كذلك .
وأيضًا خلال الحرب العالمية الأولى، اعتقلت الحكومة الأمريكية أولئك الذين كانوا يوزعون كتيبات مثل هذا تكون مناهضة لسياسة البلاد، وقد أدين شينك، ناشر الكتيب، وقد عززت المحكمة العليا هذه الإدانة في عام 1919م. (هذا القرار كان مصدرًا لكتاب شهير يسمى حريق في مسرح).
كتب الدين ممنوعة!
كما حظر على عدد ضخم من المكتبات في الاتحاد السوفييتي السابق استيراد كتب التوراة والإنجيل والقرآن بين عامي 1926 و 1956م.
كما حظرت طبعات عديدة من العهدين القديم والجديد وأحرقت من جانب السلطات المدنية والدينية على مدار التاريخ.
وفي أول يوليو من عام 1996م أدانت سنغافورة امرأة لحيازتها ترجمةِ التوراة والإنجيل.
وقد ذكرت دراسة أجرتها الحكومة الأمريكية في عام 1997م أن ميانمار "بورما سابقًا" تحظر كافة ترجمات التوراة والإنجيل إلى اللغات المحلية.
كما يطالب الحكام الديكتاتوريون هناك بأن يتم ترخيص أجهزة المودم التي تساعد في الدخول على الإنترنت، ومن ثَمَّ من المحتمل ألا يرى مواطنو بورما هذه الصفحة.
وما زالت بعض الحكومات تفرض سيطرتها الشديدة على المؤسسات الدينية وإصداراتها، ففي عام 1999م حظرت حكومة الصين نشاط طائفة فالون جونج وصادرت ودمرت الكتب التي أصدرها مؤسس الطائفة وكتب الطائفة ككل، ومع ذلك فما زالت الكتب موجودة على الإنترنت، على الأقل في أماكن لا تراقب البيانات القادمة على الشبكة.
كما أن رواية د.هـ. لورنس التي بعنوان "عشيق السيدة تشاتيرلي" كانت قد مثلت لمحاكمات عديدة بتهمة الخلاعة في كل من المملكة المتحدة والولايات المتحدة في الستينيات من القرن العشرين.
وكتاب "إي بمعنى النشوة" عن عقار إم دي إم أيه، قد ضبط من جانب الجمارك الأسترالية في عام 1994م، وفي آخر فحص له في مايو 2000م، وقد ظل الحظر الرسمي على الكتاب ساريًا في تلك الدولة.
وللحكومة الأسترالية لها موقع على الإنترنت يتضمن وثيقة تشير فيه إلى أنواع الكتب التي يتم حظرها أو تقييد انتشارها في أستراليا، وبعض الدول الديمقراطية بما فيها النمسا وفرنسا وألمانيا وكندا قد جرمت أشكالاً متنوعة من (الكلام المكروه) والكتب المحظورة، كأنواعِ الكتبِ بما فيها الكتب التي قضى بأنها تسِّفه جماعات الأقلية.
وقد أدين في الثمانينيات من القرن الماضي أرنست زونديل مرتين بموجب قوانين الأنباء الزائفة في كندا، لنشره كتابًا تحت عنوان: هل ماتت الملايين الستة حقًّا ؟ وهو كتاب صدر في عام 1974م ينفي ما زعمه اليهود بأنه إبادة لهم.
وفي الاستئناف، وجدت المحكمة الكندية العليا أن قانون (الأنباء الزائفة) غير دستوري في عام 1992م، غير أن زونديل يحاكم حاليًا بموجب قانون (حقوق الإنسان) الكندي لنشره كتابًا ومادة أخرى عن منهجه.
القراءة بتصريح
وقد ذكرت صحيفة ذي سافانا مورنينج نيوز/في نوفمبر عام 1999م أن مدرسًا في منطقة ويندسور فورست الثانوية طلب من رؤسائه الحصول على تصريح قبل أن يقرءوا أعمال شكسبير مثل هاملت ومكبث والملك لير. وقد سحبت هيئة التدريس بالمدرسة الكتب من قوائم القراءة بالفصول، واصفة إياها بأن لغتها تناسب البالغين وتتضمن إشارات إلى الجنس والعنف وقد احتج العديد من الطلاب وأولياء الأمور على سياسة هيئة التدريس، والتي تضمنت كذلك الحظر السافر لثلاثة كتب.
والواقع أن فرض الحظر على أعمال شكسبير ليس أمرًا غريبًا، فقد أعلنت وكالة أسوشيتد برس في شهر مارس من عام 1996م أن بعض المدارس الأمريكية سحبت مسرحية "الليلة الثانية عشرة" لشكسبير من المقرر بعد أن وافقت هيئة التدريس على قرار منع تعليمات أسلوب الحياة البديلة، وتتضمن مسرحية الليلة الثانية عشرة عددًا من الحكايات الرومانسية المتشابكة من بينها حكاية فتاة تتنكر في شكل صبي، وبعد ما أثاره الرفض العنيف للقرار وافق أعضاء هيئة التدريس على إلغاء القرار، وتستخدم المسرحية حاليًا من جديد في فصول هذه المدارس.
كما أدين جون ت. سكوبس في عام 1925م بتهمة تدريس نظرية النشوء والارتقاء في كتاب داروين أصل الأنواع في المدرسة الثانوية التي يعمل بها.
وقد تم أخيرًا وفي عام 1967م إلغاء قانون في ولاية تينيسي الأمريكية كان يمنع تدريس نظرية النشوء والارتقاء، لكن ظهرت اقتراحات قوانين أخرى كان يقصد بها تقييد تدريس هذه النظرية في فصول العلوم وذلك في المجلس التشريعي للولاية ذاتها مؤخرًا في عام 1996م .
كما منعت طبعة مُصَوَّرة من كتاب "قلنسوة ركوب حمراء صغيرة" قَدْ مُنِعتْ في منطقتين تعليميتين في كاليفورنيا في عام 1989م.
والكتاب جاء بعد قصّة القبعة الحمراء الصغيرة من حكايات جريم، الكتاب، وهو يظهر البطلة وهي تأخذ الطعام والنبيذ إلى جدتها.
وقد وصف المسئولون عن التعليم في تلك المناطق هذين الكتابين بأنهما يثيران المخاوف بشأن استخدام الكحول في القصة.
كما استبعدت مغامرات مارك تواين، توم سوير و هكلبرى فين من أقسام الأحداث في مكتبة بروكلين العامة من بين مكتبات أخرى، كما حظرت من مكتبة كونكورد، وأمرت السلطات في إحدى الولايات الأمريكية بإسقاط مغامرات "هكلبرى فين" من قائمة القراءة للمدارس الثانوية بسبب ما تردد من أنها تدعو للعنصرية.
وعلى سبيل المثال، في مارس 1995م، تسببت مثل هذه المخاوف في منع هذا الكتاب من قائمة القراءة في الصف العاشر من المدارس الإنجليزية في مدرسة ناشيونال كاثيدرال بواشنطن العاصمة الأمريكية، حسبما أفادت صحيفة الواشنطن بوست.
ويقول مراسل صحيفة "نيو هافين" إن هذا الكتاب أزيل من برنامج إحدى المدارس العامة هناك أيضًا، وغالبًا ما كانت تثير الاعتراضات التي جاءت مؤخرًا استخدم كلمة زنجي،
وقد اعتبرت العديد من الأعمال الكلاسيكية ومؤلفوها مدعاة للخزي عندما نشرت لأول مرة، ولكن بعد أن توفي المؤلف تحولت هذه الأعمال إلى فصول المدارس الثانوية، وينساها معظم الناس.
وعلى أية حال، ففي عام 1978م تنبهت المدرسة الثانوية المتحدة في أناهايم بكاليفورنيا إلى خطر كتاب سيلاس مارنر لجورج أليوت وقامت بحظره.
كما أن مسرحية تاجر البندقية لشكسبير قد منعت في مدارس ميدلاند بولاية ميتشجان في عام 1980م، بسبب تصويرها لشخصية اليهودي شايلوك وكانت قد حظرت من قبل في ولايات أخرى، كما تعرضت مسرحيّات شكسبير للتطهير من الكلمات والعبارات الفجة.
كما أظهرت جهود توماس باودلر في كتابه "شكسبير العائلة" الذي أصدره في عام  1818م مفهوم التنقيح الذي ما زال موجودًا حتى الآن.
وفي هذه الأيام فإن عملية تنقية الكتب من الإشارات الجنسية يؤدى إلى تضاؤل شعبيتها بينما تزداد شعبية تنقية الأعمال من الإشارات العنصرية.
وتعتبر شبكة الحرية الرقمية أرشيفًا ينشر الكتابات الحالية التي يكتبها أشخاص يتعرضون لمنعها رقابيًّا من جانب حكوماتهم.
وهناك جماعة دولية للكتاب تعمل على اقتفاء أثر الرقابة (أعمال قمع الكتاب في أنحاء العالم).
وكان الكونجرس الأمريكي قد وافق في عام 1996م على قانون الاتصالات الذي تضمن بندًا يمنع نشر أي مواد غير مهذبة، لكن محكمة اتحادية أبطلت هذا البند باعتباره غير دستوري في 12 يونيو عام 1996م، وقد تأكد الحكم من جانب المحكمة العليا في يونيو عام 1997م. كما وافق الكونجرس على بنود عدة من القانون، تستهدف المواقع التجارية على الإنترنت، الأمر الذي ما زال مطروحًا أمام القضاء.
ويحاول بعض المسئولين فرض الرقابة على وصول المادة إلى القارئ بدلاً من منع الكاتب، ومثال على ذلك، تطلب السلطات في منطقة لودون بولاية فيرجينيا من كل المكتبات إبلاغها بما إذا كان يتم استخدام برنامج لاستبعاد المواقع غير المرغوبة على الإنترنت من جانب الأطفال.